نميل جميعاً إلى اتباع العادات في مجال العمل وفي مجالات أخرى من حياتنا. عادة ما أعمل بشكل أفضل في الصباح ولا أطيق العمل في المساء. عادة ما تعكس عاداتنا التفضيلات أو التعلم أو مزيجاً من الاثنين، أو كما يشير تشارلز دوهيج في كتابه بعنوان «قوة العادات»، فإن مجرد تكرار سلوك مُعين قد يولد روتيناً.
يُظهر بحث أجريتُه مؤخراً أن المجرمين لا يختلفون كثيراً عن المواطنين الملتزمين بالقانون عندما يتعلق الأمر بالالتزام بالروتين، ربما نتيجة لخبرتهم واحترافهم واعتقادهم بأنهم قد توصلوا إلى استراتيجية مثالية. كما تتخذ أقسام الشرطة باستمرار خطوات استباقية لإلقاء القبض على المجرمين بمساعدة أداة شائعة بشكل متزايد: الخوارزميات.
ونظراً إلى أن الخوارزميات تستخدم أنماطاً أو نماذج في البيانات للتنبؤ بالسلوك المستقبلي، فيمكنها التنبؤ بالأفلام التي قد يحب شخص ما مشاهدتها على تطبيق «نيتفليكس» أو الكتب التي قد يشتريها شخص ما على موقع «أمازون». وعلى نحو مماثل، يمكنها مساعدة الشرطة في مكافحة الجريمة. إن من شأن بعض الخوارزميات توقع احتمالية عودة السجناء في المستقبل إلى الإجرام. كما تدعم الخوارزميات الأخرى أدوات الشرطة التنبؤية، التي تولد تنبؤات بالجريمة بهدف تحسين الدوريات.
تؤدي الاستثمارات في التحليلات التنبؤية إلى إعادة تخصيص الموارد، بما في ذلك من خلال استراتيجيات الشرطة المختلفة والأحكام البديلة، التي تغير احتمال اعتقال الأفراد أو احتجازهم. لهذا السبب، من المهم معرفة ما إذا كانت هذه الأدوات الخوارزمية تحد من الجريمة أم لا، وما إذا بإمكانها القيام بذلك دون خلق تحيز ضد مجموعات معينة.
فقد نشأ برنامج الشرطة التنبؤية الأكثر إتقاناً وشهرة بشكل أساسي من خرائط المناطق المزدحمة. تعمل هذه البرامج على أساس مبدأ مفاده أن المناطق التي تعرضت مؤخراً لعمليات إجرامية مُتعددة من المرجح أن يكون لديها معدلات جريمة مرتفعة على المدى القريب، وبالتالي يجب على وكالات إنفاذ القانون التركيز على هذه المجالات من أجل ردع أكبر عدد من المجرمين.
وفي حين أظهر الباحثون أن هذه الخوارزميات الإحصائية تتمتع بقدرة تنبؤية أكبر من المتوسطات البسيطة، فإن إثبات أنها تُكافح الجريمة بالفعل هو أمر أكثر صعوبة. تميل أقسام الشرطة إلى تبني برامج الشرطة التنبؤية عندما تكون مستويات الجريمة مرتفعة نسبياً، وقد تعكس التخفيضات اللاحقة تراجعاً طبيعياً في معدلات الجريمة غير مرتبط بهذا القرار. قد تُسهم الشرطة التي تركز على منطقة مُعينة أيضاً في نقل الجريمة ببساطة إلى أماكن أخرى، لذلك هناك حاجة لتصور افتراضي أفضل لتقييم الآثار بشكل صحيح: ما هي الإجراءات التي يتعين اتخاذها لمكافحة الجريمة دون استخدام برامج الشرطة التنبؤية؟
عندما يتعلق الأمر بالتحيز، فليس من المستبعد أن تؤدي برامج الشرطة التنبؤية إلى تحريف نتائج الشرطة، فقد ترتفع معدلات الجريمة في المناطق الفقيرة نسبياً، وسيتم إجراء دوريات بشكل مكثف بمجرد إدخال برامج الشرطة التنبؤية. إذا ظلت موارد الشرطة ثابتة، فمن المرجح أن يُواجه المجرمون في المناطق الفقيرة دوريات الشرطة أكثر من المجرمين في الأحياء الغنية. ولكن في حين تُعد هذه نتيجة عادلة للمجرمين المحترفين الذين أسهموا في رفع معدلات الجريمة مما أدى إلى نشر دوريات إضافية، فإن مرتكبي الجرائم المبتدئين اليوم لم يُسهموا في رفع معدل الجرائم سابقاً. ونظراً إلى أن معظم خوارزميات الشرطة التنبؤية تجمع حوادث الجريمة معاً دون فصل المجرمين المعتادين عن المجرمين المبتدئين، فقد تكون متحيزة ضد المجرمين المبتدئين في المناطق المحرومة والفقيرة.
للمساعدة في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالفعالية والتحيز، قمتُ بتقييم برامج الشرطة التنبؤية المستخدمة في ميلانو، إيطاليا، مما سمح لي بملاحظة تباين مناسب: لأسباب تاريخية، يوجد في ميلانو قسمان للشرطة يشتركان في نفس الأهداف، لكن أحدهما فقط يستخدم برامج المراقبة التنبؤية.
يختلف برنامج «KeyCrime»، البرنامج التنبؤي الذي طوره ماريو فينتوري، والمُستخدم في ميلانو، عن أدوات الشرطة التنبؤية الشائعة، لأنه يركز على اعتقال الجناة بدلاً من ردعهم، وبالتالي حرمان المجرمين من فرصة الانتقال إلى مكان آخر، ويميز مرتكبي الجرائم لأول مرة عن المجرمين المحترفين. يستخدم البرنامج المعلومات التي تم جمعها من تقارير الضحايا وكاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة لربط المجرمين بعمليات السطو التجارية، ثم يتوقع متى وأين سيرتكب الفرد أو المجموعة الجريمة التالية. يُولد برنامج «KeyCrime» تنبؤات فردية، مما يقلل من نطاق التحيز.
وأظهرت النتائج أن تحليل عادات المجرمين المحترفين يُضاعف من احتمال القبض عليهم. في الواقع، يميل اللصوص إلى التصرف بطريقة مماثلة مع مرور الوقت، حيث يستهدفون أحياءً وأنواعاً مُعينة من الأعمال، ويميلون أيضاً إلى اتباع جدول زمني مُعين، لذلك، على سبيل المثال، من المرجح أن يقوم شخص قام في السابق بسرقة محل مجوهرات في الساعة التاسعة صباحاً بإعادة ارتكاب الجريمة في نفس الحي، وفي نفس الوقت تقريباً، وضد صائغ آخر. ونظراً إلى وجود عدد محدود من التطابقات التي تتناسب مع التوقعات، يُسلط البرنامج الضوء على الأهداف المستقبلية المحتملة، وينظم قسم الشرطة دوريات للقبض على اللص.
لقد أثبتت التنبؤات الدقيقة المُستندة إلى سلوك الجماعات الإجرامية الفردية فعاليتها في مكافحة عمليات السرقة، ويتم الآن توسيع نطاقها لتشمل أنواعاً أخرى من المجرمين المتسلسلين، مثل مرتكبي الجرائم والإرهابيين. ويبقى أن نرى ما إذا كانت برامج الشرطة التنبؤية ستنجح بنفس القدر في تقديم هؤلاء المجرمين للعدالة، حيث إن تراجع التفاعل مع الضحايا وتوافر لقطات كاميرات المراقبة قد يزيد من صعوبة ربط الجناة بالحوادث.
قد يُجبر الاستخدام الواسع النطاق لبرمجيات الشرطة التنبؤية المجرمين على تغيير عاداتهم، مما يجعلهم أقل قابلية للتنبؤ، لكن تطوير خوارزميات أكثر كفاءة وعمليات جمع البيانات يُزود أقسام الشرطة ببعض أسباب التفاؤل.
وقد كتبت أجاثا كريستي ذات مرة: «يتم الكشف عن الجريمة بشكل رهيب». «يمكنك تغيير أساليبك، وأذواقك، وعاداتك، ومواقفك كما تشاء، لكن أفعالك تكشف عن روحك». في الوقت الحالي، يبدو أن بناء القدرة على التنبؤ بالجرائم الفردية باستخدام عادات المجرمين ضدهم يُعد استثماراً جيداً.