يبدو أن الناخبين الأمريكيين عازمون على تسليم الحزب الجمهوري السيطرة على مجلس النواب، وربما مجلس الشيوخ أيضاً، في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر. ينطبق الوصف ذاته على العديد من سباقات الولايات، حيث تُـظـهِـر استطلاعات الرأي، اكتساب الجمهوريين المزيد من الأراضي.
مثل هذه النتيجة، من شأنها أن تخلّف عواقب على الديمقراطية الأمريكية، خاصة إذا أدت إلى مزيد من تدهور النظام الانتخابي في الولايات المتحدة. ونظراً للعدد الكبير من منكري انتخابات 2020، الذين يتنافسون على المناصب في عام 2022، والقوة الهائلة التي سيمنحهم إياها هذا النصر، في ما يتصل بكيفية الإدلاء بالأصوات وإحصائها، فإن هذا الاحتمال مثير على نحو متزايد للقلق الشديد.
الواقع أن انتصار الجمهوريين المرجح في انتخابات التجديد النصفي، مثير للحيرة الشديدة. ومن المؤكد أن العديد من الديمقراطيين المنتخبين، بما في ذلك بعض المنتمين إلى أقصى اليسار في الحزب الديمقراطي، يدلون أيضاً بتصريحات مثيرة للجدال. لكن أعدادهم أقل كثيراً، كما أنهم أقل ميلاً إلى تصديق الأكاذيب القائمة على وقائع حقيقية. على أية حال، من المرجح أن تتحدد نتيجة هذه الانتخابات ــ مثلها في ذلك كمثل أغلب الانتخابات ــ بواسطة أولئك من غير الموالين المخلصين لترامب، أو التقدميين المنتمين إلى اليسار. السؤال يصبح إذاً، لماذا يفكر الناخبون من أصحاب الأصوات الـمُـرَجِّحة في الإدلاء بأصواتهم لصالح النسخة الحالية من الحزب الجمهوري؟.
إن الناخبين يعتبرون القضايا الاقتصادية على رأس أولوياتهم. إنهم أكثر اهتماماً بارتفاع الأسعار، من انشغالهم بنظريات المؤامرة حول الانتخابات السابقة أو القادمة. علاوة على ذلك، يبدو أن بعض الناخبين يتصورون أن الرؤساء الجمهوريين سجلهم الاقتصادي أفضل، ويستشهدون بالتضخم المرتفع حالياً، ومخاوف الركود، كدليل على أن الديمقراطيين يسيئون إدارة الاقتصاد.
بيد أن السجل الاقتصادي التاريخي الحقيقي، مختلف تمام الاختلاف عن تصورات الناس. وعلى الرغم من بعض أخطاء السياسات الكبرى التي ارتكبتها إدارة بايدن، فإن الاقتصاد الأمريكي قوي في الوقت الحالي. من اللافت للنظر، أن كثيراً من الأمريكيين يعتقدون أن الاقتصاد في حالة مزرية، في حين أن معدل البطالة يبلغ 3.5 %. المرة الأخيرة حيث انخفض معدل البطالة إلى ما دون هذه النسبة، في مايو من عام 1969، كانت فرقة البيتلز لم تـنحَـل بعد.
وبرغم أن احتمالية حدوث ركود في 2023 أو 2024 أعلى كثيراً من المعتاد، نظراً لزيادات أسعار الفائدة السريعة من قِـبَـل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فمن غير المرجح أن تكون الولايات المتحدة بالفعل في حالة ركود. كما أنه ليس من المؤكد أن الركود وشيك. من ناحية أخرى، نجد أن أوروبا أكثر ميلاً إلى أن تشهد ركوداً حاداً، نظراً لحقيقة مفادها أن الاقتصادات الأوروبية أكثر عُـرضة لأسعار الطاقة، مقارنة بالاقتصاد الأمريكي.
إذا كان الناخبون قلقين بشأن اتساع فجوة التفاوت، فمن المنطقي أن يدعموا السياسات الديمقراطية. على مدار السنوات القليلة الأخيرة، عمل الديمقراطيون على توسيع نطاق برنامج «أوباما كير»، فساعد هذا على زيادة عدد الأمريكيين الذين يتمتعون بالتأمين الصحي، وخفض أسعار الأدوية، من خلال قانون خفض التضخم. بالإضافة إلى هذا، حاولوا (وفشلوا حتى الآن)، إغلاق ثغرة الفائدة المحمولة، وزيادة الضرائب على الأثرياء، وإنشاء رياض الأطفال الشاملة العالية الجودة.
لا شك أن مثل هذه السياسات، ستصطدم بجدار صلب، إذا فاز حزب ترامب في نوفمبر. ولكن على الرغم من عدائهم الواضح لمصالح أغلب الناخبين الاقتصادية ــ والديمقراطية ذاتها ــ لا يزال الجمهوريون هم الأقرب إلى الفوز. هذا أمر لا يمكن تفسيره ــ ومثير للقلق الشديد.