من الواضح أن الاتحاد الأوروبي، الذي تضرر بشدة من جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19)، أصبح في حاجة للمال.

ولأن باولو جينتيلوني، مفوض الاقتصاد في الكتلة، لا يمكنه الحصول عليه بشكل مباشر من البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فهو يريد أن يقترضه. لا يبدو أن الغرض على جانب كبير من الأهمية.

المهم في الأمر هو أن تحصل المفوضية على المال ــ قدر كبير منه ــ حتى لو كان ذلك يعني تكديس جبل من الديون.

في عام 2020، لعب جينتيلوني دوراً رئيسياً في إنشاء صندوق جيل الاتحاد الأوروبي التالي (NextGenerationEU)، برنامج الطوارئ الذي عمل على تمكين الاتحاد الأوروبي من اقتراض أكثر من 800 مليار يورو (858 مليار دولار أمريكي) للتعامل مع التأثيرات المترتبة على جائحة كوفيد 19.

في مايو الماضي، كان يريد جمع الأموال لمساعدة أوكرانيا، وفي أكتوبر، اقترح إصدار دين مشترك لمساعدة المواطنين الأوروبيين في سداد فواتير الغاز.

والآن، وسط موجة من إصدارات الديون المشتركة، تخطط المفوضية الأوروبية لمنافسة قانون خفض التضخم الذي أقره الرئيس الأمريكي جو بايدن بقيمة 369 مليار دولار، والذي يشمل إعانات دعم مشاريع الطاقة النظيفة. ورغم أن الخطة الجديدة قد لا تنطوي على اقتراض جديد، فإنها تقترح إنشاء «صندوق سيادي أوروبي» جديد للاستثمار في التكنولوجيات الخضراء.

ليس من المؤكد أن الفوائد المترتبة على هذه البرامج ستبرر تكاليفها. على سبيل المثال، لا توجد علاقة ارتباط واضحة بين توزيع أموال برنامج جيل الاتحاد الأوروبي التالي وشدة تفشيات كوفيد 19 المحلية.

ولكن هناك علاقة ارتباط عكسية بين مساعدات برنامج جيل الاتحاد الأوروبي التالي ونصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، حيث تلقت بعض البلدان الأكثر فقراً التي كانت الأقل تأثراً بالفيروس مبالغ هائلة من المال.

تكمن مشكلة فورة الاقتراض الحالية بقيادة المفوضية في أن قواعد الاتحاد الأوروبي ذاتها تمنعها من قبول الدين. تنص المادة 311 من المعاهدة بشأن عمل الاتحاد الأوروبي بوضوح على أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يمول نفسه «من موارده الخاصة بالكامل». لهذا السبب، كان لزاماً على البلدان الأعضاء أن توافق بالإجماع على إنشاء صندوق جيل الاتحاد الأوروبي التالي.

تتمثل مشكلة رئيسية أخرى في الافتقار إلى الوضوح بشأن من سيتحمل تكلفة هذا الدين.

تعاني أوروبا من عودة الركود التضخمي. وفي حين يبدو أن نمو الأسعار بدأ يتباطأ، فلا يزال التضخم في منطقة اليورو عند مستوى 8.5 % ــ أعلى بأربع مرات من هدف البنك المركزي الأوروبي 2 % ــ وقد يرتفع مرة أخرى. وحتى أحدث معدلات التضخم الأساسي، التي تستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، بلغت 6.2 %، وهذا أعلى كثيراً من المتوقع.

الواقع أن استمرار التضخم المرتفع يجعل المتقاعدين الذين ادخروا بمثابرة من أجل سنوات الشيخوخة، إلى جانب المدخرين الذين وضعوا أموالهم في أصول مضمونة القيمة الاسمية مثل التأمين على الحياة، الضحايا الحقيقيين لمديونية أوروبا.

في مذكراته بعنوان «عالم الأمس»، وصف الكاتب النمساوي ستيفان زفايج كيف تسبب التضخم المفرط في عشرينيات القرن العشرين في إفقار البورجوازية. أيد المؤرخ الأمريكي جيرالد فيلدمان هذه الملاحظة في كتابه الرائد الصادر في عام 1997 عن التضخم الألماني بعنوان «الفوضى العظمى».

إذا استمر الاتحاد الأوروبي على مساره الحالي، فسيضر بالجدارة الائتمانية التي تتمتع بها سندات الحكومات الأوروبية.

عندما تجاهلت رئيسة وزراء المملكة المتحدة السابقة ليز ترَاس على نحو مماثل كل التحذيرات وسَعَت إلى زيادة ديون بريطانيا الوطنية المرتفعة بالفعل من خلال اقتراحها بخفض الضرائب في العام الماضي، تسببت في إفزاع المستثمرين وانهيار الجنيه الإسترليني، وسرعان ما وُجّهت إلى باب الخروج.

* أستاذ الاقتصاد الفخري بكلية ستيرن في جامعة ميونيخ