فيحاء العتق

ت + ت - الحجم الطبيعي

وتسألني سيدة الجميلات، عن حال الشعر: أرقه وأشجاه.. كيف يزورني وألقاه؟

أحسبكِ بذا، يا زهرة الصبايا، لائمةً تيه كلماتي. ولا تفطني أن رعب المشهد خضب قريحتي فأعياها. أوتؤملين أن أكبح سيل عتابك، بعذوبة كلمات تُعمِّر بروج الأخيلة وتفجر عبق الصور؟

أين مني تلك الرياض والحلكة تجلل الأفق.. تطرد آلهة القصيدة من جنبات النفس.. تجفف أنهر مفرداتٍ عوَّدتُك أن تنثري على وقع أسحارها المضمخة بعطر جُلَق، ابتسامات تراقص مجاز لحن جدلتُ ذؤاباته بأريج كرومنا.

ماذا أقول. وكيف تسعفني المعاني بينما هَجَرتنا جذوة الشِعر.. وانطفأت شرارات الكلمات فسُمِلت عيون الأبيات؟

لا تعجبي. فمذاهب التعبير أمست تفرُّ وتخبو، حييَّةً فزعة، في بلدي، بعد أن عانق الهول المأساة.. فتلذذا استباحة الدم واغتيال الطفولة. وتأملي ها هنا إشفاق أوراق الشجر، التي غدت لا ترتاح إلا في أفواه أهلينا.

هكذا هي حكايتنا. غاضت مناهل الشعر والحب.. غادرنا ألق الأبيض. لفظت روح القصيدة أنفاسها، عقب مدرار نزفها رحيق الياسمين.

أظنكِ، بعد الآن، لن تبحثي في قاموس عينيَّ عن أطيار القوافي وترنيمات الفرح.. عن بقايا عطر من فيحائنا كنت أودعته سواد العين. ولتنظري جيداً لتعذري: تلك يد القتل لا تزال مشرعة تحترف شحذ خنجرها بمسن الليل، لتغمده في أكباد شموسنا. فتُهدينا أقدار "العتمة المبهرة".

هلمي.. رافقيني، لنزُر الساقي ونناشده أن ييمم شطر حاراتنا، حاثاً الخطى. خاطبيه معي: لا تؤخر ذهابك.. عجل واسقِ أطفالنا فينابيع مائنا غاضها مارد الحقد. ولا تنس المرور بوهادنا وجبالنا. ذكرّها أن تنبش أسرار إكسير زهو خبأته في جوفها حضارات غابرة، شرَّبت تربتنا عِتقَ الزمن .. وعلّمتها حوك أثواب التجدد وهزم الفناء.

 

Email