الحوار السوداني البناء

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما يكون في دعوة النظام السوداني الفرقاء للمشاركة في الحوار الوطني، ضرب من الاعتراف بالآخر. هذه الخطوة تنطوي على ملمح إيجابي لكنه لا يؤمن قطاف الحوار. الاعتراف بالآخر لا تكتمل شروطه من دون الوقوف مع الآخر على كعب متساوٍ، والتجرد من الرغبة في الهيمنة وإملاء الشروط.

الندية تنفي امتلاك أي من الأطراف الحقيقة المطلقة، ومن ثم فإن الجميع يذهبون بحثاً عن حقيقة لم تتشكل بعد، أو يتلاقون على الأقل عند نقطة موحدة، بحثاً عن مخرج من الأزمة الضاغطة.

في ضوء مقولة سقراط «سر التغيير لا يتمثل في تكريس الطاقة من أجل القتال، إنما تكريسها على طريق بناء الجديد»، ننأى عن هجاء النظام بغية تحريضه على التطور نحو التحول والتغيير.

تنبع هذه المهمة من إدراك الجميع – بمن فيهم النظام – أن الواقع السوداني يذهب نحو التراجع والتدهور المريع. لدى جميع فرقاء المعارضة رغبة صادقة وملحة للتحرك نحو واقع سوداني أفضل. ربما لا يملك أي طرف سوداني رؤية متكاملة لصياغة ذلك الواقع المأمول.

ربما يكون هذا قصوراً، لكنه ليس خطيئة وطنية قميئة. على نقيض ذلك، من الممكن أن يهيئ هذا القصور فرصاً مواتية للتواصل والتحرك الجماعي بوعي وحرية، والارتقاء عبر الحوار نحو رؤية مشتركة تنقذ الشعب والدولة من المتاهة الحالية.

على قدر الإحساس بعبء الهم المشترك والضغوط والفاقة الخانقة، يتأتى تقاسم التطلع نحو الأفق الوطني المشرق. من المهم قبل بداية الحوار، تجذير روح العمل الوطني الجماعي المجرد من المكاسب الحزبية الآنية. هذه المهمة لن تتحقق ما لم تنزع أطراف الحوار ثيابها الأيديولوجية والجهوية والقبلية الضيقة.

 أي محاولة لنكء الجراح أو تبادل الاتهامات تؤدي حتماً إلى عرقلة الحوار، إن لم تفضِ إلى إجهاضه. كل الإخفاقات السابقة يمكن تحويلها وقوداً لإذكاء روح الحوار، ويمكن في الوقت نفسه تكريسها مضخات تصب الماء على جمرة اليوم.

الكلام عن الثوابت الوطنية مباح، غير أن ذلك يستوجب الفصل بين الصالح العام والحزبي أو الجهوي، كما يستوجب الفصل بين الثابت والمتحرك. لن يخرج السودانيون من مستنقع الأزمات ما لم يقبلوا على بناء دولة المواطنة.

Email