لم تعد الحكاية جديدة، ولم تعد تدعونا إلى الاستنكار..
تبدأ أحداثها مع جهاز تسجيل وعلبة بطاريات، وقلم حبر ومجموعة أوراق، أتفقد حقيبتي قبل الوصول إلى مكان الحدث ثلاث مرات، وأمضي في رحلة صباحية لا أعرف خباياها ومفاجآتها.. !!
ها أنا الآن في مكان الحدث، والضيوف والمتحدثون يتبادلون أطراف الحديث، أطرق أبوابهم بهدوءٍ وحذر، وعلى شفتيَّ ابتسامة صحافي يبحث عن إجابات لأكوام أسئلته. وكعادة الكرام، يرحبون بي وبأسئلتي ويجيبون عنها برحابة صدر، ويستوقفهم اسمي مؤكدين أنهم يعرفونني جيداً، يحرجونني «حقيقةً» بكرمهم الزائد، وتدهشني تلك الجرأة في إجاباتهم، وتأخذني نحو عوالمٍ أشعر فيها بأن العالم تغير، وأن الفكر تغير، وأننا على موعد جديد مع صحافة لا تعرف المجاملة، ولا «تطبطب» على هذا وذاك.
أخيراً.. حصلت على التصريح الذي أريد.. في طريق العودة استمعت إلى الحوار الذي دار بيني وبين أحدهم حتى كدت أحفظه غيباً..
وصلت إلى مكتبي، أدرت جهاز التسجيل لأكتب التصريح كما هو، فأمانة الصحافي رأس ماله، ولا مكان للبهارات والمنكهات الحارة..!!
ها أنا أنتهي من كتابة الموضوع.. أضع النقطة الأخيرة.. أراقبه من بعيد وهو يدخل عجلة النشر.. أبلِّغ المطبعة تحياتي وأوصيها بأن ترفق به.. أودع المكان وأمضي..
أستيقظ في صباح اليوم التالي..
أركض نحو الصحيفة، أعانقها، وأطمئن على موضوعي، كيف قضى ليلته في أحضان المطبعة.. و.. و.. و..
لم أكمل حديثي معه، حتى فاجأني ذلك الاتصال: ألو: عذراً.. ولكنني لم أشارك في الموضوع.. ولا أعرفك..!!
عفواً؟؟ ولكن صوتك وصورتك و.. و..
يغلق الهاتف بحنقٍ.. ويدفعني لأن أتفقد جهاز التسجيل مرة سادسة.. تنفست الصعداء وأنا أحتضنه بين يدي.. سلاحي في وجه كل من يقرر التراجع عن موقفه في لحظة ضعف..!!