اكتبيني بلغات كل البلاد، وارسمي أطيافي بكل الأبعاد، فأنا يا حبيبتي حبري يُمحى حين يُكتب، وظلالي تتعكز الهواء وتتشرد.
- لماذا «تخطوطب» يداك قلبي، وتمتد لتقبض على خلجات صدري الممزق، لماذا لا يحيط بي حبرك من كل الجهات، ويلفظني بعيداً، فأضيع في ارتياح عذاباتي؟
حبري وقعت به يومذاك بأيد إخواني وأخواتي وأعمامي وأقاربي وكل معارفي وأصحابي، ودمغه خاتم امتد من تحت كم عباءة تمثلهم جميعاً. أنا يا حبيبتي وقّعت يومذاك فوقعت، وختم على روحي وأحاسيسي. وبتّ أكره الحبر والتواقيع والأختام والعباءات.
صرت أعشق أطياف الأشياء الطائرة المتحررة من كل قيد ومرجعية، صرت أتقصد الانحراف نحو خط مستقيم، أصليّ يأخذني حيث تهوى نفسي أن تكون بلا أقنعة، صرت أمعن في سلخ المترسخ لا لشيء، بل انتقاماً لغصب وإكراه ما عادت روحي تطيق تكراره، ولا قلبي يقبل الانصياع له.
فلا تجعلي بيننا حبراً ولا ورقاً ولا رسماً ولا كلمَا. دعينا نهيم بلا عنوان بلا هوية بلا أحزان وندمان. دعي الحب يختم ويوقع باسم الهوى حاضرنا ويظللنا بعباءته السحرية، فنختفي عن وجود هؤلاء، وننسى أمسنا ومستقبلنا.
دعينا نعود إلى الإنسان بلا وعود ولا التزامات ولا تواقيع ولا أغلال ولا وسطاء الزمان. دعينا نعرف الحب كما في البدء كان. تعالي نرفّ فوق محيط الأقلام المغمسة بنعم قصدنا بها ألف لا، ولا كنا نشتهي من أعماقنا لو أنها نعماً. تعالي نصمّ أذنينا عن تصفيق الشامتين بقبولنا لمعاييرهم الـ«موتورة»، ونفوسهم المكسورة، تعالي نخالف لنكون الصواب، أما سمعت بلذة الصواب الشاذ عن القاعدة؟
«أنسترق الحب من خلف ورقة، أم نتلمسه وكأنه صدقة؟»