ليس من السهل علينا الاعتراف بمشاعر الغيرة حينما تغزونا دونما استئذان لتنغص علينا فرحتنا أو سلامنا الداخلي، لنحاول بهدف التحرر منها، افتعال الأسباب والدوافع لإقناع أنفسنا بمبررات بعيدة عن هذا الإحساس الفطري الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من المشاعر الإنسانية.
والأكثر قسوة حينما تشتعل الغيرة بين جيلين أو أكثر، لنجد أنفسنا أمام جيل يمتلك الشباب والصبا والاندفاع وفرص الحياة التي تنتظره. وعلينا في لحظات الاشتعال تلك إدراك هذه المشاعر والاعتراف بأنها جزء من تكويننا الإنساني، ومن الطبيعي أن تنتابنا بين حين وآخر..
لكن ما هو غير طبيعي أن نستسلم لها لتهيمن على تفكيرنا، لتصبح جزءاً من شخصيتنا المكتسبة التي تجمع بين القسوة والسخط على الآخرين، وبالتالي الانتقاص من قدراتهم وذكائهم، والأخطر حينما تتحول الغيرة إلى سلاح يدمر روح العنفوان في الشباب المتعطش لبناء نفسه واكتساب الخبرة والمعرفة ممن سبقوه.
وإن عدنا إلى أنفسنا في خلوة تأمل، لأدركنا أن تلك المشاعر المكتسبة دخيلة علينا، ومن السهل التحرر منها ابتداءً من الاعتراف بها ومحاورتها، لنعود إلى ماضينا في المرحلة التي توازي مرحلتهم ونستعرض شريط حياتنا آنذاك، وكم كنا بحاجة لمن يأخذ بيدنا ويرعى تجربتنا ويعزز من موهبتنا وقدراتنا.
هذه المواجهة كفيلة بتحويل مشاعر الغيرة إلى فعل إنساني، يأخذ بيد من يلينا ليتابعوا مسيرتنا من حيث وصلنا وليس من حيث ابتدأنا، هذا الفعل كفيل بمنحنا الشعور بالرضا وبقيمتنا ودورنا الإنساني الذي يرافقه إحساس بالسكينة والأمان، وبالتالي نرتقي مجدداً بارتقائهم، ونتجدد بعطائنا وإبداعنا. وما لا يدركه الكثيرون أن لكل إنسان في هذه الحياة دوراً.
وهذا الدور له من الأهمية ما لغيره من الأدوار، من ربة المنزل والأم إلى عامل النظافة والعالم والمفكر، فجميع تلك الأدوار تشكل جزءاً محورياً من نسيج المجتمع ككل، وعليه فالكل معني بنقل معرفته ورحيق تجربته إلى الأجيال اللاحقة، فمن العطاء يستمد الإنسان أجمل المشاعر الإنسانية التي تبقى في حناياه طالما هو على قيد الحياة.