حققت الاستراتيجية الثقافية الخليجية التي أطلقها المجلس الأعلى الخليجي عام 1987، منجزات كبيرة بناء على معطيات الأوضاع التي انطلقت منها، وساهمت بشكل أو بآخر في صياغة مناشط ثقافية مشتركة، كانت نتيجتها لقاءات وملتقيات دورية استضافتها عواصم الدول الخليجية عبر عقدين من الزمان وأكثر.

وهذه الأخيرة راكمت خلاصات ووثائق مهمة في رسم ملامح التطور الثقافي لشعوب المنطقة، كما ساهمت الاستراتيجية في برمجة وجدولة تلك الملتقيات بين الدول الأعضاء حتى لا تضيع الجهود سدى، ومثلت المهرجانات والمنتديات الخليجية المشتركة للمفكرين والمثقفين والمبدعين الخليجيين، منصة مشتركة لتداول الجمال والإبداع والهم الإنساني المشترك، فشكل الصوت الثقافي الخليجي حيزه في الثقافة العربية، واتخذ موضعه، عبر محطات سنوية.

إن الحديث عن منجز أول استراتيجية ثقافية خليجية، لا شك سوف ينصف البداية والانطلاقات النبيلة، ولن يغفل أن هناك اليوم وعلى أرض الواقع منصات التقاء، وخبرة متراكمة، ولحمة تحققت بين المثقفين الخليجيين. لكن مع تغير الأحداث، ومع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومع ما يحيط بالبيئة الخليجية.

وما يؤثر فيها سواء من الداخل أو الخارج، ومع ظواهر مقلقة لها علاقة بالغزو الفكري والثقافي والفني، وتأثير تعدد الثقفات وسلبيات التركيبة السكانية، ومنها سيادة الثقافة الآسيوية، تصبح هناك قائمة من المطالب والتحديات أمام الاستراتيجية الجديدة للعمل الثقافي الخليجي المشترك. أيضاً ومع ظلال الربيع العربي، ومع صوت الشباب، الذي بدأ يبحث عن مكانه الصحيح في منظومة العمل السياسي وشروط المجتمع المدني الحديث، سيحتاج الصوت الثقافي الخليجي إلى قنوات استيعاب، وأقنية وحاضنات جديدة متطورة، قادرة على الاتساع، ورحابة الصدر والمزيد من الانفتاح على حرية الإبداع الإنساني وحرية الفكر.

وإذا كان لقاء وزراء الثقافة الخليجيين سوف يعتمد ملامح الاستراتيجية الجديدة التي عكف عليها وكلاء الثقافة الخليجيون في اليومين الماضيين في العاصمة أبوظبي، وهي تبدو من ملامحها أنها تطوير فقط للآليات والنظم ورفع الدعم المادي.

فإن الأسئلة مشرعة أمام وزراء الثقافة الخليجيين، في مسألة مدى استيعاب واحتضان جيل الشباب من المثقفين والمبدعين، فهذا الجيل المدجج اليوم بالعلم وبالتقنية وبالانفتاح، هو جيل النهضة والتنمية الذي ولد في رحاب العمل الخليجي المشترك. هو نتاج تلك الأهداف الأولى، وبالتالي فإن الخطوة الجديدة يطلب منها أن تكون قادرة على استيعاب مطالب الواقع الجديد. فمثقف الأمس ليس هو مثقف اليوم، والمطالب الأولى ليست هي مطالب المرحلة التالية.

فالعمل على جدولة الفعاليات، والعمل التنسيقي والاتفاقات اللوجستية، هي آليات عمل لكنها لا تستطيع تغيير نمط الأهداف وتوجهها. وهذا ليس تشكيكاً في الجهود المبذولة لبلورة استراتيجية جديدة للعمل الثقافي الخليجي المشترك، وإنما قراءة في أوليات المطروح على الطاولة، فالهوية الثقافية الخليجية ما زالت بحاجة إلى انتشار دولي لتعرف بنفسها جيداً، وبحاجة لمن يقرؤها من الداخل، وبحاجة لأن تكون أمام مسؤولياتها التاريخية في خدمة إنسان المنطقة، فالأمر ليس تنظيم فعاليات ولا ملتقيات ولا أسابيع ثقافية، صوت المثقف الخليجي بحاجة إلى اتساع في مداه.