المنتخب لا يلعب (كورة) فقط، ولكنه يحمل الشعار الوطني، والصيت، ولصيق النصر بحكم انه يمثلنا أمام الآخرين المنافسين، ولأنه يحمل الشعار فإن القلوب تتعلق به، ويهتف باسمه الجميع، وحب الوطن حب فطري عاصف، وما يمثل الوطن يشعرنا بالفخر والانتماء. لهذا يهتف الناس ويصيحون بأعلى أصواتهم (يا منتخبنا يا الغالي)، فالكناية لغلى الوطن، والمعنى للرمز وللراية المطبوعة على قمصان اللاعبين. ليست (كورة) أبداً.

 لهذا يغضب الجميع حينما يتراجع هذا الفارس الذي نطلقه لكي يحمل الراية ونريده أن يكون دائما في المقدمة، نغضب لأن التراجع لا يرضينا، ولأن التراجع يشعرنا بالمهانة ومرارتها.

أمر تراجع المنتخب عن إحراز بطولات وكسب جولات هو حديث قديم متجدد، أرهقنا لأجله أعصابنا لسنوات، بل إنه ذهب عند البعض من المتحمسين، والمدمنين على حب المنتخب، أن شكل لهم هذا التعلق، هاجسا مقلقا في حياتهم، انسحب على تفاصيلها، ولا غرابة حينما نقول إن خسارة المنتخب قد تسببت في يوم ما، أن طرد احدهم زوجته، وفرق عياله لما أصابه من مرض العصاب، لأن متابعته وانشغاله انسياه حياته. وأناس بكت، وأناس امتنعت عن الطعام والشراب.

 وأمر تراجع المنتخب، واستمراره في هذا التراجع، كسر أحلامنا بالفوز، وأمنياتنا بعبور بطولاتنا الحدود، بل تحجم الحلم مع ذلك فجعلنا نتسمر كالتماثيل على دكك المتفرجين، ونقطع المسافات من اجل الوصول إليه، ونقطع أعمالنا وأشغالنا ونؤجل منافعنا الحياتية، حتى نكون معه. نتسمر أمام شاشات التلفزيون، حينما يكون يلعب بعيدا عنا، نؤازره من بيوتنا، وأينما كنا، في النوادي والمقاهي، لأجل كسب الفوز وتحقيق الرغبة الجامحة في الشعور بالانتصار والتفوق.

حكاية المنتخب وعلاقته بأحلام المشجعين، حكاية تطول وفصولها رواية تراجيدية فيها كثير من المأساة وقليل من الملهاة، وأهل الرياضة اعرف بطعم المرارات، وطعم الأفراح حينما تخيم رطوبتها على المشاعر. لماذا تصفعنا نتائج المنتخب دائما؟ سؤال برغم تفلسف وتنظيرات المنظرين، ما زال قائما وواقفا كشاهد القبر، شاخصا أمام الأعين، لم يجد احد سر الإجابة إلى الآن، سوى أن هناك ملايين تهدر وبطولات نعود منها مطأطئي الرؤوس.

إلا من لحظات فرح سجلها لنا التاريخ الرياضي، هنا وهناك، وكان فيها فرحنا عارما، يجتاح الشوارع والأزقة والطرقات، ينثر أعلام الوطن في كل مكان، ويجعلنا نقهقه ملء أشداقنا. ليس الأمر (كورة) بل دلالة تكمن في أننا نلهث وراء اللون الأبيض، رايتنا، ورمز عنفواننا وفروسيتنا. لسنوات بقي السؤال عالقا أمامنا نحن بسطاء المشجعين، والإجابات الشافية لا تأتي.

بالأمس همس لي صديق ضالع (بالكورة) بالحرف الواحد قائلا: طالما أن الأندية ما زالت عند أنانيتها سيبقى منتخبنا هكذا هزيلا..تركني لم يوضح لي لماذا استخدم كلمة (أنانية). حللتها بمنطق لعب (الكورة) الذي اعرفه من أيام الحواري والفرجان.. أن اللاعب الأناني هو الذي لا يمرر الكرة لزميل له اتخذ موقعا جيدا لتسديد هدف!