الصورة المنشورة للسيارات المحترقة والمصطدمة ببعضها البعض أمس الأول، ليست صوراً لسيارات تعرضت لقصف طائرات النيتو في احد شوارع سرت أو بني وليد، وإنما هي لحادثة سير على طريق دبي العابر، حيث وقع الصدام بين 35 سيارة لانعدام الرؤية بسبب كثافة الضباب وعدم توخي الحذر وترك مسافة كافية بين السيارات.

هذا المنظر يتكرر سنويا في الطرق الخارجية وكلما زارنا الضباب الجميل، الذي يعتم الرؤية، ويترك بياضه ينساب كلوحة سريالية..الأمر الملفت، أن الضباب ظاهرة مناخية، لا مفر منها، هي من ممارسات الطبيعة، لكن حوادث السيارات في مثل هذه الظروف المعتمة، هي من ممارساتنا. وفي هذه الحالة الضباب ليس عدوا، بل الضباب جميل حينما نتأمله من مكان آمن. نحن الذين نمارس العداوة مع أنفسنا، حينما نزج بها إلى المهالك.

أسفر الحادث عن 3 إصابات متوسطة و11 إصابة بسيطة واحتراق سيارتين وأضرار بليغة طالت 10 سيارات، والحمد لله انه لم يكن هناك وفيات، لكن حوادث سابقة كان بها مآسٍ أدمت القلوب ومزقت حشاشة الجوف.

الضباب مستمر وسيأتي اليوم وغدا، ويأتي مذ خلق الله الخليقة. لكن من يقنع ذلك المنطلق بسيارته في غيمة تعدم البصر؟ من يغير قناعة بعض السائقين الذين ما زالوا يعتقدون أنهم سوبرمانات عصرهم؟

الضباب سيستمر ولن يتوقف، والسائقون المتهورون سيستمرون في رعونتهم ولن يتوقفوا عن الاندفاع إلى جحيم المفاجآت فوق ذلك الإسفلت.

هذه الحقيقة أثبتتها الإحصاءات والنتائج المؤسفة لحوادث وقعت بسبب إصرار السائقين على ممارسة تحديهم لهذه الظاهرة الطبيعية. والأغرب والأعجب، أن جميع وسائل التحذير التي تطلقها الجهات المختصة، والجهات الإعلامية معها، لا تسعف سنويا من وقوع فاجعة في موسم الضباب، فالغالب منا يصم الأذان والأذهان عن مثل هذه التحذيرات.

الضباب جميل حينما نتأمله من شرفة، وتسطع فيه الأنوار، والضباب جميل حينما تتكثف مياهه على الأسطح الملساء، ولعبة مسلية حينما تتحول الأسطح الزجاجية إلى صفحات قابلة للكتابة والرسم. والضباب مفيد للنباتات وورقيات الشجر وفوائده لا تعد ولا تحصى.

أطرف حادث سيارة وقع في ليل ضبابي، اذكره من سنوات الصبا، هو الحادث الذي وقع لجارنا والحمد لله انه لم يصب بأذى يذكر، فجارنا الذي كانت الفرحة لا تسعه، وهو يمر بسيارته الجديدة أمام بيوت الحي مستعرضا موديلها الجديد، وحال رجال الحي وهم يسألونه عن قيمتها. لم يغرق في فرحته سوى ثلاثة أيام، فقد كان عائدا في وقت متأخر بسيارته الجميلة، والضباب يكاد يخفي الحي كاملا، فوجد نفسه يعتلي كومة طابوق احضرها جارنا الآخر ليرمم سور منزله القديم. في الصباح الباكر خرج الجميع وتحلقوا حول السيارة الجديدة التي بدا «بوزها» مرفوعا للأعلى وقد نالها من الأذى ما نالها..مع هذا أصر صاحبنا على أن الذي أصاب سيارته هي عيون أهالي الحي.