بينما تمضي المرأة نحو نيل مزيد من الحقوق الاجتماعية والسياسية في أقطارنا العربية، فإنه من المهم الحرص على سلامة خطواتها، كي لا يكون خروجها بهدف الخروج ليس إلا، ولكي لا تأتي بعد سنوات لتجد سلبيات خروجها فاقت سلبيات التزامها بيتها، ربما كان هذا الكلام متأخرا في بعض المجتمعات العربية التي بدأت فيها المرأة سيرها خارج البيت مبكراً، ولكنه ليس متأخراً في مجتمعات عربية أخرى هي في بداية الطريق أو في منتصفه.
كنت أفكر في ذلك وأنا أتابع توكل كرمان في برنامج بلا حدود، لقد خرجت توكل وخلعت النقاب، وقادت المظاهرات وأعطت زخماً هائلاً للثورة اليمنية، ولاقت تقبلاً في مجتمع يوصم باضطهاد المرأة ومعاملتها معاملة دونية، لقد تبادر إلى ذهني سؤال حول المرأة التي ربت توكل، هل هي مثلها، أم من الجيل المحافظ الملتزم بالبيت والنقاب ؟، وهو سؤال يداهمني دائماً عندما أكون أمام شخصيات عظيمة ذات كاريزما خاصة ونادرا ما أجد أمهاتهم يعملن شيئا غير رعاية أسرهن وهذه نقطة علينا الوقوف عندها طويلا.
توكل نفسها طرحت مفهوم المرأة الرجل والرجل الأنثى، وقالت: إن الرجولة صفات، وذكرتني بقول النبي عليه الصلاة والسلام ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسيا امرأة فرعون ومريم ابنة عمران) ، ولا شك أنه كمال في الصفات الشخصية، فهناك كثير من الرجال رجال، وقليل من النساء رجال، هذا القليل هو الذي يناسبه الخروج إلى معترك الحياة، بل إن خروجه ربما كان لازما، وهذا ما كان يحدث عبر التاريخ، فالمرأة المتميزة الواثقة من نفسها المالكة لموهبة واضحة، لم تكن تنتظر قوانين الأسرة والقبيلة لتخرج للمجتمع بل كانت تقتحمه اقتحاما وتثبت نفسها فيه، هكذا كانت الشاعرات والأديبات والطبيبات والمقاتلات، وحتى وظيفة المحتسب التي كانت توكل إلى امرأة في عهد عمر بن الخطاب، على ما تحتاجه هذه الوظيفة من قدرة على محاسبة الرجال، عندما تعمل المرأة كالرجل فلا أحد يقف أمامها بل يطلب منها القيام بدورها الذي منحها الله مفاتيحه.
مشكلتنا أمام المرأة الأنثى الخالصة، التي لا تحمل من صفات الرجولة شيئا، وتوضع في أماكن تتطلب وجود رجل، وهذا ما يحدث كثيرا لنجد أنفسنا أمام كائن ملون ليس إلا، هي ليست مؤهلة لدورها لكن المجتمع يصفق للجميع ويدفعهم للخروج، متجاهلا أن وجود امرأة ضعيفة في مجال عمل هو ظلم لها ولأسرتها التي بلا شك كانت ستستفيد أكثر من اهتمامها بها، وظلم للرجل الذي أخذت فرصته في العمل وإثبات الوجود.
خروج المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية يكاد يكون صفرا، بعد أن تحول كل الهدف من الخروج للحصول على الراتب، مهما كانت التضحيات الصحية والنفسية والاجتماعية.
النساء المتميزات والنافذات في المجتمع هن الأقدر على تفهم ذلك وتقديم الحلول المناسبة، ولكن الرجال قادرون أيضا فالمرأة في النهاية ابنة أو زوجة أو أخت لرجل ما، يدرك معاناتها ومشاكلها وحاجاتها، ولكن كثيرا ما يرد كلام الرجل من قبل نساء مستفيدات من وضعهن العملي، أو لا يعانين من مشاكل المرأة الأم أو الزوجة، وهكذا تقف المرأة ضد المرأة، لندرك أننا في الشأن العام لا يجب أن نتعامل بمفهوم المرأة والرجل، فكم من رجل أضر برجل وكم من امرأة حطمت امرأة، تعاملنا يجب أن يتم من خلال المرأة الرجل والرجل الأنثى من حيث الكفاءة الحقيقية، الأولى يجب أن تبرز، والثاني عليه أن يتنحى عن واجهة المجتمع، أما المرأة الأنثى وحسب، فإن ذلك لا ينقص منها شيئا بل كاف جدا لحياة سعيدة وعطاء متميز، ولكن من داخل مملكتها فقط، وليس خارجها.