سعيد صبي ذكي في الثانية عشرة من عمره، من مواليد عام 2000، وهو صديق لولدي المولود عام 2001، وعلى هذين الرقمين دارت بيني وبينه مناقشة طويلة، أذهلني فيها بطريقة تفكيره وقوة حجته وتمسكه برأيه .
بدأت الحكاية عندما قلت له مداعبة؛ مسكين أنت يا سعيد فأنت من مواليد القرن العشرين، بينما صديقك من مواليد القرن الواحد والعشرين، فقال؛ لا، أنا من مواليد القرن الواحد والعشرين لأن العام 2000 ينتمي إليه، شرحت له كيف أن القرن مئة عام، وأن الأخذ بكلامه يعني أن العام 100 ينتمي للقرن الثاني، وأن القرن الأول ينتهي في العام 99، وهذا لا يمكن، ولقد أتعبني شرح ذلك له، بالورقة والقلم، وتتبع كل عام ميلادي من رأسه حتى بدايته، وعليه تنفست الصعداء وشعرت بأن المعلومة قد وصلت إليه .
لذا هالني رد فعله عندما قال؛ ولكن التقويم الميلادي يبدأ بالصفر، وليس بالواحد، وعليه فإن القرن الأول يكتمل في العام 99، لم تكن قصة العام صفر قد مرت علي من قبل، لذا بدأت جولة جديدة من النقاش لإقناعه بخطأ تفكيره، وعندما ظننت أنني نجحت، فوجئت بتعابير وجهه المحملة بالشك، وهو يقول؛ سأبحث في النت، حاولت إثناءه عن البحث في النت لأني كنت أشك بقدرته على البحث، كما كنت أشك بوجود الموضوع أساساً في النت، ولكنه قطع الشك باليقين ودعاني خلال لحظات لرؤية ما كتب في الويكبيديا بشأن ذلك.
حيث ذكر أن العام 2000 هو آخر عام في القرن العشرين حسب التقويم الجريجوري، ولكن عامة الناس يعتبرونه العام الأول في القرن الواحد والعشرين، أرأيت يا سعيد جاءتك الويكبيديا بالخبر اليقين، وصححت معلومتك، قلت له وكلي ثقة باقتناعه أخيرا، ولكنه انقلب من مكانه واقفا وقال؛ لا الويكبيديا أكدت معلومتي، كيف يا سعيد وهو يذكر بأن عامة الناس فقط هم من يصدقون هذه المعلومة ؟ فرد بكل هدوء ؛ لأنني من عامة الناس !
لن أطيل عليكم أكثر، ولكن الحكاية فعلا طالت، وفي النهاية قال سعيد؛ سأسأل صديق والدي، الفلكي فلان، قلت له؛ سعيد قل لي بصدق، لم كل هذا الإصرار على رأيك ؟، أفقط حبا في أن تكون من مواليد هذا القرن ؟ قال؛ لا إن ذلك غير مهم بالمرة، ولكني غير مستعد للتخلي عن فكرة أعرفها مذ وعيت، ورافقتني لسنوات هكذا ببساطة.
الحوار والنقاش مع أبنائنا يكشف القدرات الكامنة لديهم، فنعرف كيف نوجهها، كما ننتبه إلى ما ينقصنا نحن لمواكبة حياتهم، ومساعدتهم بطريقة صحيحة، وجيل اليوم زاخر بخير كثير وبطاقة عقلية وعملية هائلة، ولكننا لا نستغل كل ذلك ونوجهه كما ينبغي، وأكثر ما نجيده هو الشكوى منهم .
وسعيد من جيل شباب الغد، الذين سنتعامل معهم كرجال بعد عشرة أعوام من الآن، إنهم شجعان وأذكياء جدا، فماذا أعددنا في خططنا الخمسية والعشرية والعشرينية لهم ؟ كي لا تكون محصلة كل تعبنا وتعبهم، هو الصفر .