يأتي وفي القلب غصة على جراح إخوتنا في أكثر من بقعة على الأرض، وفي الذاكرة صور لم نظن بأننا سنراها يوما، ولكنه العيد، يأتي في موعده وعلينا اللحاق بفرحته وبهجته ومعانيه، مهما كانت ظروفنا وأحوالنا. قد يأتي ودموعنا لم تجف بعد على فقد عزيز مضى منذ أيام، وقد يأتي وقلوبنا لم تطمئن بعد على غائب انقطعت أخباره، وقد يأتي ولنا مريض طال مرضه، ولكنه يأتي، فيرخي على قلوبنا غلالة الفرح والأمل والسعادة، في كل أحوالنا.

إنه العيد، الأرض والسماء والهواء في نشوة وحبور وتناغم، نشعر بها على جلودنا وفي مسامنا وعلى أطرافنا. فتستحثنا لالتقاط هذا الزمن الأثير العابر، وتوزيع كعكات الفرح من قلوبنا للجميع، مهما حدث ومهما يحدث.

إنه العيد، فلا تتخل عن نصيبك منه، ولا تحرم نفسك ومن حولك من بركة تهل من عند الرحمن عليك. لا شيء يبرر تفريطك في هذه الهبة، إلا ما غلبك فعلا، ولن يغلبك شيء بإذن الله وأنت ترمي الشيطان بشهب الذكر، وتعلق قلبك بصاحب الأمر .

إنه العيد، الدعوة الأجمل للروح، لكي تنطلق وتجري في مسارات العطر والجمال، وهو النداء الأوضح للمتشائمين والمتشبثين بالحزن والأسى، ليلحقوا بركب السعداء، بعده يخفت النداء وتتشابه الأيام ، ومن لا يسعد في العيد، فمتى يسعد ؟

ومن لم يقدر على إثبات إيجابيته وتفاؤله وقوة نفسه في يوم الجائزة، والملائكة تملأ الطرقات، والمكان والزمان يضجان بطاقة هائلة من الانشراح والحبور، فمتى يقدر ؟

لا أحد يملك قلبا من حديد، لينسى كل مآسيه فقط لأنه العيد، ولكن الحزن الطبيعي شيء، والاستغراق فيه فضلا عن استحضاره شيء آخر، في الأول يعيننا الرحمن، وفي الثاني يستلمنا الشيطان، في الأول نبكي ثم نسارع لمسح دموعنا، وفي الثاني نستعذب البكاء، وننجرف نحو النشيج والعويل وربما الانهيار .

قدر الله جرى ويجري على الجميع، الفقد والغياب والحروب والأمراض كانت مذ كانت الحياة، تصيب العدو كما تصيب الحبيب، ومن أصابته اليوم أعتقته غدا ومن أعتقته اليوم قد تصيبه غدا، ورب مبكي عليه أسعد حالا من الباكي، فلنطوّق الآلام بابتسامة أمل، ولنعش الفرحة بأقصى ما نقدر ونروم .

إنه العيد، فلا تضيعه مهما كان مصابك، فهناك من يحتاج لابتسامتك وقوتك، كن قويا مشرقا مبتسما، وإن بدت الأمور سيئة، فقد تتحسن الأمور في العيد القادم ولا تكون أنت هنا لتمنح الناس شيئا من قلبك وحبك وشجاعتك، فأد دورك ببالغ الثقة والبراعة والإتقان، وللدموع وقت آخر ، إنه العيد ..