راحة البال هي أهم ما يحتاج إليه الإنسان ليسعد في حياته، وقليل من ينعم بها، وقد يتمناها الغني القوي ويدفع في سبيلها الأموال الطائلة ولا يجدها، بينما يجدها إنسان بسيط فقير يعمل خادما مسخرا لغيره، وكثيرا ما يلتقيان، عبد مستريح البال وسيد شقي، فيضحك الأول في نفسه من الثاني ويحنق الثاني على الأول وربما بكى إذا خلا بنفسه. الرضا بما قدر الله لنا من رزق وصحة وجمال وقدرات ومن أركان راحة البال، وكلنا نتعجب من معاق مبتسم، أو من عجوز مريض خفيف الدم، أو من فقير يضحك من قلبه وهو لا يملك ثمن الوجبة القادمة.

القناعة ركن آخر، وهي ليست عكس الطموح كما يظن البعض، ولكنها الوعي بقيمة ما تملك، فقد يكون كثيرا ولا تراه لأن قلبك معلق بما يفوقه قيمة، وما أدراك بأن الكثير قد يشقيك ولا يسعدك، وأن هذا المقسوم لك هو اللازم لسعادتك، فالزيادة كالنقصان، البعض يدمن الشكوى من كل شيء في الحياة، فبيته لا يعجبه لأن والده بناه له على ذوقه، وزوجته لا تبهجه لأن زواجه كان تقليديا، وعمله «مقرف» لأنه بعيد عن تخصصه، والحي الذي يسكنه لا يحبه لأنه لم يعد راقيا، وأسفاره مملة لأنه يذهب إلى نفس البلد كل عام وطعامه ممل لأن القائمة لم تتغير كثيرا منذ أعوام، ونسي في خضم ذلك كل تلك النعم التي يغرق فيها والتي يتمنى البعض لو نال نصفها.

الشكر ركن ثالث من أركان راحة البال، وهو يعني إدراكنا للفرق بين امتلاكنا لنعمة ما وفقدنا لها، وفي اللحظة التي نقول فيها الحمد لله الذي أطعمنا والذي سقانا والذي عافانا والذي هدانا، تدور أمام أعيننا صور الجوعى والمرضى والتائهين في دروب الضلال، فنتمنى ألا نكون مكانهم يوما.

غياب الرضا والشكر والقناعة لا يجر فقط إلى انعدام استقرارنا النفسي، ولكنه قد يؤدي إلى أكثر من ذلك خاصة مع توفر الوقت والقدرة والمال، تخيل رجلا يملك كل شيء ولا يرضى ولا يقنع ولا يشبع، ويبحث عن المزيد، فإن استلمه الشيطان صور له الأمجاد المنتظرة في نهاية الطريق، أهدافا واجبة التنفيذ، ولو على جبل من آمال الآخرين في الحياة الكريمة البسيطة، كل الطغاة يسكنهم الجشع والطمع، ولا ينظرون إلى الخير الذي هم فيه ويسعون للمزيد، ليفتحوا فم السعير الذي ترتد ألسنته إليهم في النهاية، كل الطغاة محرومون من راحة البال، أجمل متع الحياة.

مهما كانت ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية، مسؤولون نحن عن تربية أبنائنا على القيم التي توفر لهم الهدوء والسكينة والانشراح، وتنشئهم راضين بأقدارهم، هادئين متناغمين مع حركة الحياة حولهم، مدركين أن غناهم في صدورهم، وقوتهم في إيمانهم وثقتهم بأنفسهم، وأن لا أحد أبدا يفوقهم في شيء فكلنا بشر، والفرصة التي بيد غيرهم اليوم قد تكون بأيديهم غدا، المهم في الأمر ألا يجعلوا أنفسهم رهنا لانتظارها، فجاءت أو لم تجئ تبقى الحياة جميلة ومليئة بالخير دائماً.