انتشار ظاهرة التخوين في الوطن العربي أثناء وبعد فترة الثورات قد يكون أمراً طبيعياً، فالزلزال لم يكن هيناً، ولكن ذلك لا يبرر المبالغة والتطرف فيه، فللمجتمع ضمير يعرف به من معه ومن ضده، من دون كثير شرح أو كلام، وللخائن سمات وعلامات سرعان ما تكشفه وتدل عليه مهما فعل، و( ما أخفى رجل شيئا إلا ظهر على فلتات لسانه وقسمات وجهه ) كما قال الحسن البصري.

لذا وككل المشاكل الأخرى التي نواجهها، فإن كنسها أولا بأول هو الحل، مع ملاحظة عدم إخفاء ما كنسناه تحت السجادة، لكيلا نتعثر كل يوم بالأورام والانتفاخات التي تتكون على أرضنا، قد يقول قائل؛ بسيطة مهما زادت تلك الأورام فإن ضربة تنظيفية واحدة ستخلصنا منها، ربما ولكن بعدما يكون الكثير من الضحايا قد سقطوا، والكثير من العاهات قد ملأت جسم الوطن ، قليل من العزم والجهد والتكاتف لتنقية هوائنا وتنظيف ترابنا سيجعلنا والوطن أكثر صحة وعافية .

(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، الحديث الشريف، فإذا كان الإسلام قد وجد في الجاهلية الوثنية ما يستحق التمسك به والبناء عليه، فإن منجزاتنا طوال عقود جديرة بالالتفات إليها والاعتداد بها والبناء عليها.

في كل قطر عربي، توجد إنجازات كثيرة في شتى المجالات، تراكمت على مدى أجيال وأجيال، وليس من الحكمة ولا المصلحة تضييعها بكل سهولة ومن واجب المجتمعات العربية حكومات وأفراد السعي للحفاظ على ما أنجز من بناء ، وحمايته من الفوضى، وسد الأبواب أمام الفتن والدسائس، القائمة على الحقد والرغبة في الانتقام، واستغلال المظالم القديمة في التاريخ . وهذا البناء لا يعني، المباني والمنشآت والبنى التحتية على أهميته، بقدر ما يعني القيم والمبادئ والأخلاق التي قامت عليها هذه المجتمعات.

لقد مل الناس من الحديث، وضجوا من التخوين، وكرهوا القيل والقال، وهم لا يريدون مزيداً من الكلام، ولا مزيدا من الكشوفات والانتصارات، على حساب أمنهم وأمانهم، لقد تعبوا من ذلك كله، وينتظرون من ينهيه بحكمته وسعة صدره، ليتفرغوا لإزالة هذا الركام السيىء من على قلب الوطن، فلا يتعثر به أحد بعدهم أبداً.

وقف النبي عليه الصلاة والسلام في قمة انتصاره، ليقول لمن آذوه، وحاصروه، وجوعوه، وعذبوا أصحابه، وقتلوا من قتلوا منهم، وقف في اللحظة المشتهاة لكل مظلوم، والمرعبة لكل ظالم، والحق معه والقوة معه والنصر معه، ليقول؛ اذهبوا فأنتم الطلقاء . ليغلق جرح الأمس للأبد.

إن الطريق إلى العزة والكرامة ممهور منذ القدم بالخلق الكريم، وهذا ذو الإصبع العدواني يوصي ابنه في الجاهلية قائلًا؛ ( ألن جانبك لقومك يحبوك، وتواضع لهم يرفعوك، وابسط لهم وجهك يطيعوك)،

فمتى ننتبه إلى تلك المعاني الرفيعة ؟ ونفتح أبواب الحلم والتواد في أوطاننا، بدلًا من هذا التراشق الجارح، والتخوين السقيم ، ونلتفت إلى مداواة الجراح بدلًا من رش الملح عليها كل يوم؟