على الرغم من تجاوز الأحداث لقفزة فيليكس سريعا، فإن أحدا لا ينكر بأنها ستبقى في ذاكرة كل منا زمنا طويلا، لتذكرنا بالكثير من القفزات، سنجد قفزاتنا ونحن صغار ثم قفزات أبنائنا التي كثيرا ما تنتهي في غرفة الجراح لتترك اثرا لا يمحى في مكان ما في الوجه، وفي الجبهة غالبا، هناك قفزات لا يعرف المرء كيف نجا منها وأخرى لا يعرف بأي منطق قام بها.

هناك قفزات شهيرة خلدها التاريخ وهناك ما لم يدر عنها أحد، قفزة حضروم من النوع الثاني الذي طواه الزمن بعد أن ظل يدور لوقت طويل حكاية مسلية على الرغم من مأساويتها على ألسن الناس في زمن مر واندثر وغادرتنا شخوصه وأعلامه، بعد أن أودعوا حكاياتاهم وأيامهم لدينا، نعيد روايتها ونعتبر بها .

كانت السفينة في وسط البحر عندما هبت عليها عاصفة عاتية جعلتها ترتفع حتى تكاد تلتصق بالسماء ثم تهبط وكأنها ستلمس القاع، اظلمت الدنيا وساد الخوف، ولم يكن يسمع إلا الدعاء بأن يسلمهم الله، ولم يكن شيء يهم في تلك الساعات العصيبة سوى سلامة السفينة وركابها من الغرق، لذا لم يعر أحد اهتماما لفراش النوخذة وهو ينزلق ويقع في البحر ، إلا حضروم البحار الصغير الذي أخذ يصرخ ( دوشك النوخذة دوشك النوخذة ) قبل أن يرمي بنفسه في البحر لإنقاذه .

وضع الجميع أمام موقف عصيب أشد مما كانوا فيه، واستغربوا من هذا التصرف، ولم يفرح النوخذة بهذه التضحية والفداء العجيب، وإنما أخذ يصرخ، أيها المجنون .. أهذا وقته ؟

أخذ البحر حضروم بعيدا، ولم يعودوا يرون إلا رأسه الصغير على بعد عشرات الأمتار، كان لزاما عليهم إنقاذه، وغامروا بإنزال بحار حصيف لذلك، معرضين حياته للخطر، وشاء الله أن يرأف بالجميع ويتم إنقاذ الفتى .

هناك من أخطأ في تعليم حضروم معنى الحب والواجب والشجاعة وطريقة التعبير عنها في البيت والمجتمع وبيئة العمل، ليندفع لإنقاذ قطعة متاع لا قيمة لها ، مسببا الضرر لنفسه وللآخرين .

هذا النوع الساذج من التضحية والفداء لا يلزم أحدا، ومن المؤكد أنه كان حالة فردية لدى النوخذة، وإلا لما صمد في ارتياد البحار، ومواجهة الصعاب، وتخطي الأزمات التي لم تكن تسلم منها رحلة من الرحلات البحرية في ذلك الزمان .

قفزة حضروم قد لا تتكرر في التاريخ كثيرا ولكن ذلك زمن امتلأ بالأعاجيب، والشيء بالشيء يذكر فلقد تناقل الناس في ذلك الزمن حكاية رجل نزل إلى حفرة مجاري، أعزكم الله، لإحضار قلم ثمين لأحد الأثرياء، سقط منه في الحفرة، فرصد عشرة ريالات لمن يأتي به، نزل الرجل وأحضر القلم واستلم العشرة ريالات، ولكنه لم يستطع تمييزها فلقد. فقد بصره، وذلك نتيجة تعرضه لأذى شديد لم تحتمله عيناه، في هذه القصة سوء التقدير للعواقب أو الاستهانة بها كان سببا ولا شك، ولا نقول إلا؛ قاتل الله الفقر. رحمهم الله أجمعين .