هي معادلة لا يفهمها كثير من الناس، تلك القائمة على أن أسباب الفرح والسعادة موجودة دائماً بين أيدينا وحولنا، مهما كانت الحالة الاقتصادية والظروف الاجتماعية، وأنك غني وسعيد وقوي وجميل في كل وقت ومهما حدث.
هذا لا يعني انفصالنا عن الواقع أو عدم إدراكنا لحجم وقوة ما قد يعترض حياتنا أحياناً من أزمات قد يكون لنا يد فيها وقد لا يكون، ولكنه يعني فهمنا الصحيح لحياتنا وذواتنا ومعنى وجودنا.
لم يكن شيء قد تغير في الحياة عندما وقفت قبل أيام في الشرفة، أستمع إلى قرآن الفجر من المسجد القريب، انتبهت إلى النجوم التي لا تزال في السماء، ولفت نظري ذلك الكوكب اللامع في الشرق، والآخر المقابل له في الغرب، انتبهت إلى اختلاف شدة الظلمة بين الشرق والغرب أيضاً، ففي الغرب لا يزال الظلام داكناً، وفي الشرق أقل سواداً، لونان للظلام كلاهما فخم وعميق ومظهر بشدة للبريق واللمعان المتناثر فيه، تأمُلي لتلك اللوحة والقراءة تسري عبرها وفي أجوائها كانت تجربة روحية جمالية كاملة ملأت روحي بما يكفيها من جمال لذلك النهار بطوله، أخذت أتساءل عن حجم ما يحيط بنا من أسباب السعادة والجمال، فقط بسبب حركة الشمس والقمر وتبدل الأوقات، تذكرت تلك الأيام التي كان أهلنا يحتفون فيها أيما احتفاء بالفجر والصباح والضحى، ثم يقيلون بعد الظهر مرددين ذلك المثل الشهير (تغدى وتمدى)، ثم يكملون احتفالهم اليومي بالعصر وأحاديثه والمغرب وهدوئه، والعشاء وقصصه وحكاياته، هكذا كل يوم.
حقول من الفرح وآفاق من الانشراح، كانت تملأ الأرواح والقلوب فقط من هذا التواصل الجميل مع الطبيعة، ولكن الطبيعة ليست كل شيء، فهناك هذا الدين بما يبثه من روحانية وقوة وإشراق في النفوس والوجوه والأبدان، فتجد أحدهم لا تعني له هذه الدنيا بمآسيها شيئاً ويظل يبتسم.
سبب آخر لسعادتنا وفرح أرواحنا هو تواصلنا مع الناس ومشاركتنا لهم في أفراحهم وأحزانهم، فعندما يغمضون أعينهم في الليل على صورتك ويبتسمون، يصلك ذلك الشعور الجميل ويملؤك بالسعادة، وأي سعادة أكبر من أن يدعو لك الناس، أو يذكرونك في قلوبهم بالخير، إنك تمشي على الأرض حينها بجيوش من الملائكة والأماني والدعوات الطيبة.
ليس عبثاً أن أوصانا الدين بالجيران والأقارب والأرحام، وجعل الابتسامة في وجه المسلم صدقة، وجعل الصدقة في أي جنس من البشر والكائنات مطلوبة، فيض من الحب يحيط بالإنسان في حله وترحاله وليله ونهاره عندما يهدي المحيطين به حبه واهتمامه، وهذا ما وجدنا عليه أهلنا وآباءنا يجتهدون في هذه الأعمال الصالحة، ويقومون بإيصال زكاتهم وصدقاتهم إلى القريب والبعيد، ويسافرون ويقطعون الدروب في ظروف صعبة لزيارة مريض أو لأداء واجب صلة الرحم.
إذا كان للحزن خمسة أصابع فللفرح مائة جناح، هذا ما أردده دائماً، فما أجدرنا بالعودة لتلمس أجنحة الفرح في حياتنا، لنطير إلى أجواء فردوسية الشذا من النعيم والسعادة.