رحلة العودة من أي سفر قصيراً كان أم طويلاً تحمل نفس الملامح والشعور، ففي دقائق سريعة تجمع الأمتعة وتحزم الحقائب وتُخلى الغرف، ونندفع عبر المصاعد والسلالم والأبواب بسرعة واستعجال، وصولا إلى تلك اللحظة التي نضع فيها أجسادنا على كرسي الطائرة أو السيارة، فنتنفس الصعداء، ليخطف سؤال سريع في سماء أذهاننا: ترى ماذا جنينا من هذه الرحلة؟

كم هو قاس أن يبلع البعض ريقه، ويشعر بالغصة وهو يجيب على نفسه؛ بأن لا شيء، فكما ذهبت عدت، أما المحظوظون فهم أولئك الذين تمتلئ أعينهم بالمواقف والصور التي حدثت في تلك الرحلة فيشعرون بالرضا والانشراح، ولسان حالهم يقول: الحمد لله لقد استمتعت وحققت كذا وكذا من الفوائد، وها أنا أعود إلى عالمي المعتاد بطاقة عالية ومشاعر إيجابية، ستعينني في السير في حياتي .

الصور الجميلة التي نعود بها تتجاوز مجرد ذهابنا إلى مدينة ما أو مشاهدتنا للنهر أو البحر أو الطبيعة، أو لعبنا مع أطفالنا في مدن الألعاب الرائعة، فذلك لا يعني شيئا ما لم نشعر به بكل حواسنا، وتنبض به قلوبنا.

تذكرت كل ذلك في رحلة عودة من رحلة سياحية قصيرة داخل الوطن في إجازة يوم الاتحاد، ففي دقائق قليلة خلت معظم الغرف في البيت، وغادر نصف الناس، الأطفال كانوا يتراكضون على السلالم وحقائبهم على ظهورهم، وكأن إنذاراً قد دعانا للمغادرة بأسرع ما يمكن، لنودع المكان وقد خلا تماما وقد كان يعج بالناس قبل ساعة من ذلك، الشعور بمظاهر العودة حضرت بشدة في نهاية رحلة قصيرة، وهو ما جعلني أنتبه إلى أن العودة هي العودة، ولكن حدة الملامح تختلف.

في السيارة، وأنا أسند ظهري إلى الكرسي، مر ذلك السؤال بخاطري؛ ماذا فعلت هنا خلال يومين كاملين؟ وابتسمت، فلقد حضرت مباشرة صورة تلك النزهة القصيرة مع والدتي حفظها الله، عندما تمشينا طويلاً على البحر، أحدثها بما تحب وكما تحب، وكلما طلبت منها الجلوس أصرت على مواصلة المشي معي؛ كنت سعيدة بها وأردد في قلبي؛ ما أسعدني بقلب يحبني كل هذا الحب، ويشاركني ما أريد ولو على حساب ما يريد، إنها الأم!

على الرغم من أن الرحلة كلها كانت سعيدة، إلا أن أهم وأجمل شيء فيها كان ذلك الوقت الخاص الذي قضيته مع أمي، فالوقت النوعي هو الذي يهم في النهاية، وهو الوقت الذي يؤثر بالخير والإيجابية في قلوبنا وقلوب أحبابنا، والأسفار مناسبة للجلسات والأحاديث الفردية مع شركاء حياتنا وأبنائنا وذوينا، فنحن لا نتذكر مشاويرنا اليومية المتشابهة إلى السوق مثلاً، ولكننا نتذكر تلك الجلسات الحميمة في المطعم أو الحي القديم ونزهاتنا ومشينا تحت المطر أو تجوالنا في عربة حصان، مع قلب يشاركنا الحب والحياة.

أتساءل : في نهاية الحياة ونحن " راجعون " إلى الله في رحلة عودة أخيرة، ترى ماذا سيمر في شريط ذكرياتنا عن حياة كاملة عشناها هنا؟ ما هو الوقت النوعي الذي عشناه بصدق مع الله، أو مع أنفسنا، أو مع أحبابنا؟ أتساءل.