كتبت قبل فترة هنا عن حكاية جوان، الجنوب أفريقية التي قررت العودة إلى بلادها إثر وفاة ولدها الشاب فجأة هناك، منهية 15 عاماً من الحياة في دبي، ولم يكن ذلك ما لفت نظري في حكايتها ولكن ما أخبرتني به من أنها وعائلتها سينتقلون إلى مدينة أخرى ليبدأوا حياةً جديدةً هناك.

تذكرت ذلك أمام قصة شاب أعرفه، ظل متمسكاً بالعيش وحيداً في بيت العائلة بعد رحيل والدته، على الرغم من مغادرة الآخرين إلى بيت جديد، هم لا يحتملون مواجهة الذكريات الماثلة أمامهم في كل زاوية وعلى كل جدار، وهو يجد صعوبة في تغيير الحي والجيران والأهم من ذلك كله المسجد القريب الذي يبعد عن البيت عشرين متراً.

ولا يتخيل أن يضطر إلى ركوب السيارة مع كل صلاة وهو الذي اعتاد الذهاب إلى المسجد ماشياً، وبسبب تلك الأعذار يظل يعاني في بيت يأكل أيامه ويجلب له المرض تلو المرض. يبدو الغد بائساً عندما يرحلون، هكذا نشعر، غير مدركين أن الغد عندما يأتي سيجدنا غير أولئك الذين كانوا يوم الوداع .

الخوف من التغيير ومن الجديد ومن القادم، كثيراً ما يسكننا متناسين أمراً مهماً، وهو أننا نتغير تلقائيا مع تغير الظروف، ولا أحد يذهب إلى الغد حاملاً نفس ما يحمله اليوم من مشاعر وأفكار وتعابير وملابس وأسلوب حياة، وكم رأينا من أشخاص تغيروا إلى النقيض لسبب أو آخر دفعهم إلى ذلك، أعرف شقيقتين إحداهما غاية في النظام والترتيب، والثانية قمة في الفوضى واللامبالاة، والمأساة أنهما كانتا تتقاسمان غرفة واحدة، وحدث ولا حرج عن معاناة الأخت المنظمة من تلك الفوضوية، وعند اقتراب موعد زواجها، كانت التعليقات تملأ أذنيها عن الفشل الذي ستحققه في بيتها بسبب فوضويتها.

ولكن الذي حدث أنها صدمت الجميع ببيت يسوده النظام والترتيب والأناقة على الدوام، وأصبحت إنسانة أخرى متوائمة مع ظروف حياتها الجديدة. يحكي لي أحد السوريين حكاية ظريفة وشر البلية ما يضحك، يقول؛ إن والدته المسنة التي كانت تعاني على الدوام من آلام الركب، سمع أنها تسابق الريح عند الحاجة إلى الهرب من القصف والموت، ولا تختلف سرعة جريها عن الصبيان والبنات الصغيرات!

يقول البروفيسور راشد السهل في أحد تغريداته: ( لا تترك نفسك بدون طموح، وحين تخاف أن لا يتحقق طموحك، هذا يعني تركيزك على ظروفك أكثر من طموحك، انتبه، طموحك تحركه أفكارك لا أحوالك)، فالأحوال ستتغير مع تحقق الأفكار الجديدة، الحياة تسير إلى الأمام، وكلما فتح باب جديد للخير والسعادة،علينا الإسراع بالدخول، فهو لن يظل مفتوحاً للأبد.

يخاف الطفل من الخطو ولكنه يمشي، ويخاف من المدرسة ويمر عليه اليوم الأول كدهر ولا يتخيل أنه سيكمل الدراسة ولكنه يكمل، ويكبر فيخاف من مسؤولية الزواج ولما يتزوج يعتادها.

كلها بدايات تعيد تشكيل الإنسان، وتؤهله لدوره الجديد في الحياة، فيحدث التناسب والانسجام بين الدور والشخصية، فلا تخف من البدء من جديد، لأنك بعد تلك البداية، شخصٌ آخر.