عندما حول الصبي المصاب بنوبة ربو حادة من عيادة الحي إلى المستشفى ، كانت المشكلة الرئيسية هي عدم استجابته للعلاج واستمرار ضيق النفس وانخفاض نسبة الأكسجين في الدم على الرغم من إعطائه العلاج اللازم لتوسيع الشعب الهوائية، والاستمرار بتزويده بالأكسجين .

في المستشفى استمر العلاج نفسه مع إعطائه جرعات من الكورتيزون، ولكن حالته لم تكن تتقدم، كنت أسألهم؛ لم لا تعطونه مضاداً حيوياً وكانت الإجابة لأن حرارته ليست مرتفعة، ولكن إذا كان لا يستجيب لموسعات الشعب وللكورتيزون فلم يبق إلا المضاد، هذا ما كنت أردده على كل طبيب يدخل لمعاينته طوال أكثر من خمس عشرة ساعة، وكان الجواب نفسه؛ إنها نوبة ربو حادة، ولا داعي للمضاد .

حسنا، لقد قمتم بفحص دمه فلم لم تتأكدوا من إصابته بالتهاب ؟، قلنا لك، لأن حرارته ليست مرتفعة فكان تحليل الدم روتينيا ولم نبحث عن التهاب، ولكن سنجري له فحص دم جديدا، متى ؟ الولد بين الحياة والموت منذ ساعات، أنفاسه على صدره وقلبه يخفق بشدة، كنت أسأل لتأتيني نفس الإجابات، وعوضا عن التحليل المطلوب، أجري له فحص دم سريع من طرف الإصبع، لمعرفة نسبة الغازات في الدم، ولأن هذا التحليل أجري بيد غير خبيرة فلقد كاد أن يهرس إصبعه من شدة الضغط عليه لتحصيل الدم المطلوب بلا فائدة وكان الحل عمل شكة ثانية، لولا رفضي أمام صراخه، وهو في تلك الحالة الأليمة .

الغريب أن الولد كان يبعد أنبوب الأكسجين عن أنفه وهو يقول، هذا الأكسجين يخنقني ويزيد حالتي سوءاً، ولقد كان ذلك واضحاً، إذ أنه في اللحظة التي يعاد وضع كمام الأكسجين على أنفه كان يبدأ في السعال، ولكن لم يأخذ أحد شكواه بعين الاهتمام، وكان عليه أن يتحمل ذلك لأن الأكسجين ضروري له، وهكذا مرت الساعات الطويلة من منتصف النهار حتى صباح اليوم التالي، وأنا أستغرب من عدم البدء بإعطائه مضاداً حيوياً، وهو يظل يردد؛ هذا الأكسجين يخنقني !

في الصباح كان موعد مرور الأطباء الروتيني، أخذت الممرضة تشرح حالته لهم، ولكن الاستشاري الذي تغير وجهه بمجرد رؤيته له وهو في قمة الإجهاد، لم يطل الوقوف لسماع الشرح وقال، قلبه يبدو متعبا، يجب أن ينقل إلى الغرفة الثانية الأكثر عناية، كما قرر البدء فوراً بإعطائه المضاد الحيوي دون أن يطالب بأية تحاليل، وما أن دخل المضاد في وريده حتى بدأ بالتعافي أخيراً، ولكنه ظل يردد؛ هذا الأكسجين يخنقني، فتأمل الطبيب الجهاز، وقال؛ حتماً سيؤذيه الأكسجين لأن قوة اندفاعه عالية مما يهيج صدره أكثر، وقام بخفض تلك القوة لتنتهي شكوى الولد من الأكسجين .

قصة حدثت وتتكرر، وقد يفقد فيها أحد ما حياته، ولست أدري حتى الآن، لماذا حدثت ؟ ولماذا كان علينا المرور بتلك المعاناة الرهيبة لكل تلك الساعات، على الرغم من وجود الأطباء وتوفر الاهتمام .