لم يتأكد ما نسبته صحف عبرية إِلى الرئيس محمود عباس، أَنه أَبلغ أَعضاء في الكنيست تعزية الشعب الفلسطيني في وفاة الحاخام الأكثر تطرفاً في إِسرائيل، عوفاديا يوسف، والذي مات، الأُسبوع الجاري، بعد محطاتٍ حافلةٍ في بث الكراهية القصوى ضد الفلسطينيين.

وفي التحريض على قتلهم. وإِذا صحّ أَنَّ عباس فعل ذلك، فإِنه يكون قد اقترف خطيئةً ثقيلة، ومسيئةً لشعبه، فالمذكور أَحد أَبرز وجوه التعصب الفاشي. وتمثيلٌ معلن للكيانية الصهيونية التي قامت على أَرض فلسطين، ونظرت إِلى أَصحاب هذه الأرض، باعتبارهم لا يستحقون الوجود، طالما أَنهم يُنازعون الشعب اليهودي عليها، عوفاديا يوسف يُشخّص التحريف الأقصى للدين اليهودي، والذي صادرته الصهيونية.

الحاخام الذي تزَّعم حزب شاس شديد اليمينية والتعصب، كان في بذاءاته البالغة العنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب صوتاً لليهود الشرقيين "السفارديم"، وتعبيراً اجتماعياً وسياسياً لهم، صيّرهم قوةً ضاغطة، أَمام تعبيراتٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ نافذةٍ للغربيين الذين بدا أَنَّ ثقلهم الاقتصادي وصلاتهم مع قوى الغرب ولوبياته الفاعلة في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي. وإِذ كان يولي حياة اليهودي أَولوية على الأرض، على ما سوَّغ "مباركته" اتفاق أوسلو، فإِنه كان يصدر عن اعتبارٍ شديد الخصوصية لديه بشأن اليهود، شعباً له أَنْ يحكم ويسود في الأرض.

ولعلَّ وهمه هذا ما جعل لسانَه يستسهل التطاول القذر على الفلسطينيين والعرب، وهو العراقي الأصل، ومن مواليد بغداد. وعندما دعا، قبل ثلاثة أَعوام، على محمود عباس والفلسطينيين بأَن يصيبهم الطاعون، فإِنه، في هذا وغيره، كان يمتحُ من منظورٍ شديد الوفاء للعنصرية الصهيونية في أَبغض تجلياتها.

والمتصلة حكماً بدهشة هرتزل المبكرة من وجود ناسٍ كثيرين، يقيمون في فلسطين التي كان مفترضاً في بلاهة أولئك الصهاينة أَنْ تكون خلواً من أَي ناس، طالما أَنها حقٌّ خالص لليهود، قادمين ومستقدمين من اليمن وبولندا وفرنسا وليتوانيا والعراق وأَميركا.

وقد زعم عوفاديا أَنَّ الدين اليهودي يحثُّ على التخلص من كل من يسكن فلسطين من غير اليهود! جاءَت أُسرته من العراق في عشرينات القرن الماضي، ليصير لاحقاً الزعيم الديني والمأفون السياسي الشهير، في مجتمعٍ ظل مهيئاً دائماً لاستقبال بلاهاته من غير استنكار،.

ومنها نعته العرب بالصراصير والأَفاعي، ودعوته إِلى أَن يذهبوا إِلى الجحيم، "لأنهم يتكاثرون كالنمل". يموت عوفاديا وتذهب سخافاته إِلى النسيان، فيما يبقى الشعب الفلسطيني يتوارث، جيلاً وراء جيل، تمسكه بحقه في وطنه وأَرضه، وقد أَرَّقت هذه الحقيقة الحاخام الخرف طويلاً، وستُؤرّق مشايعيه والعنصريين من أَمثاله، إِلى الأَبد، ففلسطين باقية، وهم واحتلالهم إِلى زوال.