شكسبيريات واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصح مقارنة السجل السياسي للرئيس الأميركي باراك أوباما ورهطه بمسرحيات وليام شكسبير. أتى هذا المحامي إلى سدة حكم أقوى دولة في العالم وكأنه بطل مسرحية ما مكتوبة قبل أربعة قرون، وحسبه أنه سيمحي آثار الحروب التي أشعلها سلفه ابن تكساس جورج بوش. لم يدر أن عقيدته اليسارية وهاجسه بمكانته كحائز جائزة نوبل للسلام كانت لتجعل منه أنجح رئيس في تاريخ ناورو، لا الولايات المتحدة، الدولة الأقوى في العالم.

تاه أوباما في صراع أكون أو لا أكون الهاملتي، ولم يفده اصطناع المس السياسي، فدفن بتذبذبه شعاره المشابه «نعم أستطيع».

واعتقد ووزير خارجيته جون كيري أنهما وضعا في منتصف ليلة صيف سويسرية في جنيف القطرات السحرية في أعين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس دبلوماسيته سيرغي لافروف ليجعلهما يسيرا وراءهما، فأخطآ ووضعاها في مُقل الشعب السوري ليجملا اتفاقهما الكيماوي مع موسكو. وهناك في واشنطن ساسة لعبوا دور تاجر البندقية باقتدار، ممن يعتقدون أن الإطاحة بحكم بشار الأسد وإقامة نظام ديمقراطي بديل ضرب من الجنون الرومانسي كما في روميو وجولييت.

فأن ينبري هنري كيسنجر وزيغنيو بريجنسكي، وكلاهما يهوديان من عتاة المنظرين السياسيين اللذين يستمع إليهما أوباما، إلى الدفاع عن النظام السوري ورفض تغييره، فذلك سلوك «شايلوكي» يستدعي أكثر من إشارة توضيح. فكيسنجر عراب المعادلة القائمة حالياً في الشرق الأوسط بين مثلث سوريا- لبنان- إسرائيل.

فهو من طبّع الهدوء في الجولان باتفاقية الفصل إياها العام 1974 وأدخل حافظ الأسد إلى لبنان لضرب الفلسطينيين. أما بريجنسكي، فلا يُفهم في الواقع موقفه إن كان ندماً على وقوفه إلى جانب «المجاهدين» في أفغانستان، أم رغبةً دفينة في التسويق لفكره المتلخص في مبدأ «الشيطان الذي تعرفه أفضل من الذي تتعرف إليه»؟.

وكما في مسرحيات شكسبير، تفترض الدراما السورية المستمرة منذ عامين ونصف العام رحيل جميع شخوصها. فالأسد مات في اللحظة الأولى التي أطلق فيها النار على مواطنيه في درعا.

وأوباما قضى على حياته السياسية بتردده المعهود الذي سيتحول إلى غبارٍ في كتب التاريخ الهجائية. أما بوتين، فستحنط سيرته إلى جانب ستالين في ذلك المبنى الأصم والبارد المسمى الكرملين.

وفي نهاية المطاف، وحده الشعب السوري سيبقى وينتصر على جلاديه كما فعل بروسبرو في عاصفته. وتبقى الخشية، أن ينتهي أوباما إلى مناجاة نفسه بعد فشله في سوريا، مثلما فعل ماكبث، حينما قال إن «محيطات العالم لن تكفي لغسل الدم من يديّ».

غريب حقاً هذا الخليط التراجي- كوميدي لسياسات أوباما. قد لا يكون شكسبير مشهوراً بما فيه الكفاية في الولايات المتحدة، لكنه سيكون بلا شك ممتناً في قبره للرئيس الأميركي لأن إدارته كانت أفضل من أدى مسرحياته على الخشبة الدولية تمثيلاً وإخراجاً.

Email