عاد السفير المغربي في الجزائر إِلى عمله، بعد أَن استدعته بلادُه أَياماً، احتجاجاً منها على دعوة الرئيس بوتفليقة إِلى ضم مراقبة أَوضاع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية إِلى مهمات بعثة الأُمم المتحدة، المنوط بها المحافظة على وقف إِطلاق النار في هذه المنطقة، التي تتبع المغرب واقعاً، على الرغم من دعاوى الانفصال التي تُشهرها جبهة بوليساريو.

ومعلومٌ أَنَّ ما أَراده بوتفليقة كانت الإدارة الأَميركية قد طلبته، قبل شهور، من الأُمم المتحدة، ما أَغضبَ الرباط كثيراً، وجعلها تُلغي مناوراتٍ، كانت مقرَّرةً مع الولايات المتحدة، ونجحت جهودُها واتصالاتُها في دفع واشنطن إِلى التخلي عن ذلك المطلب، الذي يمسُّ بسيادة المغرب على أَراضيه في الساقية الحمراء ووادي الذهب.

كان طبيعياً أَنْ تكون كبيرة، رسمياً وشعبياً، غضبة الرباط من المدى الذي ذهب إليه بوتفليقة في التنغيص على المغرب، في مسألةٍ يعرف أَنها بالغةُ الحساسية، تتعلق بالسيادة الترابية للمملكة المغربية على أَراضيها، لا سيما أن الجزائر ليست في وارد أَنْ تتخلى عن إِسنادها ما تسميه "حق تقرير المصير للشعب الصحراوي"، ما يجعل المسؤولين المغاربة، يدعون لنظرائهم الجزائريين بالهداية، في مزاحٍ أَكثر دلالة على جديّةٍ وفيرةٍ لديهم.

عودة السفير إِلى عمله، ثم تشدد السلطات المغربية مع متظاهرين، اعتدوا على مقر القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء، لا يعنيان سوى أَنَّ جولةً من الخصام المزمن بين البلدين الجارين انتهت، وذلك كله بالنظر إِلى قناعة الرباط بأَنَّ "قضية الصحراء" ليست سوى مشكلة جزائرية مغربية، وبالنظر إِلى دعم الجزائر الدبلوماسي والسياسي النشط لـ "بوليساريو"، وإِنْ تعلن أَنَّ المسأَلة بين يدي الأُمم المتحدة، ولا علاقة لها بهذا الملف، إِلا من باب "نصرة الشعوب الشقيقة"، على ما تُشيع صحافاتُها أحياناً.

والشُّقة شديدةُ الاتساع بين المنظورين، وطويلةٌ ومريرةٌ مسارات التنازع بين الرباط والجزائر في هذا الشأن،لا سيما في مراحل مضت، وليس بادياً أَنَّ جهداً حقيقياً، تبذله العاصمتان في اتجاه إِنهائه، كما أَنه ليس من انتباه عربي إِلى الخلاف العتيد، يعمد إِلى وساطةٍ من أَيِّ نوع، تبتكر حلاً خلاقاً له، يُفضي إِلى علاقات جوارٍ متطورةٍ في فضاءات تعاونٍ مثمرة، يشتهيها المغاربة والجزائريون.

لا جديد إِذاً في الأزمة المغربية الجزائرية الطارئة أَخيراً، سوى في أَنها أَنعشت التفاتاً إِعلامياً محدوداً إِليها، وسط الإضاءات الساطعة على راهنٍ ساخنٍ في غير بلدٍ عربي، سوريا ومصر والعراق وتونس وليبيا أَمثلة.

وإِذ تستقبل الرباط وزير الخارجية الأَميركي، جون كيري، بعد أَيام، فهذه محطةٌ مستجدةٌ، تُسوّغ استعادة الحديث إِياه عن قضيةٍ عربيةٍ مهملةٍ، مسيطر عليها إِلى حد كبير، عنوانها خلاف بلدين عربيين حيويين كبيرين، الجزائر والمغرب، متَّع الله شعبيهما بالهناءَة والاستقرار والأَمن والأَمان، وبالجوار الطيب الدائم، إِن شاءَ الله.