دوامة إفريقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

على سريره في مستشفى مغربي، مات دكتاتور زائير موبوتو سيسيسيكو وحيداً بعدما فضلت زوجته التسوق في باريس على أن تبقى إلى جانبه في آخر أيامه. استبشر الزائيريون خيراً بدخول غريمه لوران ديزيريه كابيلا العاصمة كينشاسا محرِراً في صيف 1997 ومنهياً عقوداً من حكم الرجل الذي لعب في خريطة إفريقيا، فدعم واستعدى الجميع، مستفيداً من التأييد الغربي. لكن كابيلا لم يكن يعلم عن الديمقراطية شيئاً اللهم تغيير اسم وعلم البلاد فحسب، لتصير الكونغو الديمقراطية.. وكفى!!.

لم يعمّر كابيلا طويلاً، إذ اغتيل عصر يومٍ شتوي في 2001 ليخلفه نجله جوزيف الذي لا يزال في السلطة. اتُهمت الجارة الصغير رواندا بتدبير عملية الاغتيال، حيث اصطف كابيلا إلى جانب الهوتو الذين نفذوا المجازر بحق التوتسي في رواندا ربيع وصيف 1994، قبل أن يستلم التوتسي الحكم على إثر انتهاء المذابح. التراجيديا الإفريقية قضت بأن الرئيس الرواندي الحالي بول كاغامي..

وهو من التوتسي، كان من أوصل كابيلا الأب إلى الحكم بوقوفه إلى جانب تمرده ضد موبوتو، قبل أن يقرر كاغامي تمويل حركة تمرد ضد كابيلا إثر طرد الأخير القوات الرواندية من بلاده وإقصائه الكونغوليين التوتسي عن مراكز صنع القرار. واليوم، تخسر رواندا وحليفتها أوغندا معركة أخرى في النزاع الأطول والأعنف في القارة السمراء بهزيمة حركة «إم 23» المسلحة، المكونة في أغلبيتها من التوتسي، أمام الجيش الكونغولي.

وفيما يشكل الشقاق الأزلي بين الهوتو والتوتسي جوهر الصراع، لا يجب أيضاً نسيان العامل الاقتصادي الذي شجع كيغالي على التوجه نحو شرق الكونغو الديمقراطية الغني بالثروات الطبيعية، خاصةً أن صغر حجم رواندا وقلة مواردها تدفعها إلى التطلع إلى جارتها الأكبر. وعليه، تبدو مهمة المبعوثة الأممية الخاصة إلى البحيرات الكبرى ماري روبنسون في إعادة دمج المتمردين السابقين، عسيرة، بالنظر إلى أن عناصر «إم 23» هم أساساً جنود كونغوليين تمردوا بعدما كانوا دمجوا إثر تمردٍ سابق. كما أن ملف جرائم الحرب يشكل عقبة إضافية في وجه المسؤولة الأممية، حيث يُتهم قادة عديدون في المنطقة وزعيم حركة التمرد سلطاني ماكينغا بارتكاب فظاعات.

وهناك في الغرب من يحاول في نفس الوقت خلق «موغابي 2» من كاغامي، نسبةً إلى دكتاتور زيمباوبي روبرت موغابي، باتهامه بالتضييق على معارضيه وإثارة القلاقل في المنطقة، على الرغم من أنه وصف على الدوام بـ«الحليف الأقرب» إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد يمهد لبؤرة توتر جديدة.

والحال كذلك، وإن كان انتهاء تمرد الفصيل المدعوم من كيغالي وكمبالا يدشن آمالاً جديدة بأن يسود السلام البحيرات الكبرى، فإن على أولئك الواهمين بصلاح حال المنطقة أن يخففوا جرعة تفاؤلهم قليلاً حتى تنجلي تفاصيل لعبة الكراسي المتحركة وتغير بوصلة الولاءات بتلك الطريقة الزئبقية المتجذرة في العرف السياسي الإفريقي.

Email