تلتفتُ مؤسسة الفكر العربي، برئاسة الأَمير خالد الفيصل، في تقريرها السادس، الذي استضافت دبي إِطلاقه، أول من أَمس، إِلى مسأَلة شديدة الأَهمية في التخطيط والتنمية في الوطن العربي، إذ يختص بقضية مركزية في أَسباب التأخر الواسع الذي يُغالبه راهننا البائس، وهي "التكامل المفقود بين التعليم والبحث العلمي وسوق العمل والتنمية في الدول العربية".
وأَصابت وزيرة الثقافة الأُردنية، لانا مامكغ، في مؤتمر إِطلاق التقرير، لمّا وصفته بأَنه يبعث على السرور والحزن معاً، فقد بذل الخبراء في إِعداده جهداً استثنائياً في تشخيص موضوعه، ما يجعله هديةً ثمينةً لصناع القرار في بلادنا العربية، ومبعث الحزن في المعطيات، التي يخرُج بها، لاسيما بشأن تونس والعراق وسوريا ولبنان، فيما تطال مشاغله السعودية والإمارات والأردن أَيضاً.
ومهمةٌ إِشارة الأمير الفيصل إِلى ما يسهم به تشخيص واقع التعليم والبحث العلمي، في إِثراء حركة النقاش بشأن توظيفها، بما يخدم قضايا التنمية البشرية المستدامة في عالمنا العربي.
ولأَن وقتاً يلزم لمراجعة أَوفى للتقرير، فإن مطالعة مقدمته، للمشرف عليه الدكتور سليمان عبد المنعم، تُيسر مؤشرات كاشفة، منها ما يتعلق بما يصيب مصر وسوريا وتونس حالياً، وثلاثتها تشهد عوارض ومستجدات ما سمي الربيع العربي، من ذلك أَن نسبة البطالة في سوريا ارتفعت، حتى الربع الأول من العام الجاري، إلى 49%، وأن تونس تشهد منذ 2011 أَضعف معدلات النمو الاقتصادي، منذ استقلالها في 1956، وأَن الاحتياطي النقدي الأَجنبي في مصر، صار يبلغ 18 مليار دولار، وكان قد وصل إِلى 35 مليار دولار، عشية 25 يناير 2011.
ويخوض التقرير في تفاصيل وافية بشأن التعليم والتعليم العالي ومخرجاتهما، والحلقات المفقودة بينها وبين أَسواق العمل في البلاد التي يدرسها، وبذلك يسهم، في بعض وظائفه المعرفية، في تلبية حاجة العرب إِلى توفير بيانات ومعلومات للخبراء والباحثين، وقد أَجاد الدكتور عبد المنعم في تأكيده أن حاجة العرب إِلى إِنشاء آلية أَو مؤسسة تعتني بذلك، وأَصاب، في مختتم مقدمته، في دعوتِه صنّاع القرار في العالم العربي إِلى أَن يقتحموا مشكلات التعليم والبحث العلمي، بخطة إِصلاحية، عميقةٍ، وشاملة، وطويلة المدى.
التحية واجبة لمؤسسة الفكر العربي، لانتظام إِصدارها تقرير التنمية الثقافية العربية سنوياً، وقد صار مرجعاً دورياً متميزاً في تعيين مشكلاتٍ ظاهرةٍ في الحال العربي، الذي تتشوش فيه الرؤى والخيارات، الذي تزداد أَوجه التراجع فيه، بالنظر إِلى غلبة السياسي على كل شيء، وحصر مفهوم السياسة وشواغلها على السلطة وتمثيلاتها، وإِزاحة الاقتصادي والثقافي والمعرفي من صدارة الأَولويات، فيما هي الأكثر اتصالًا بالمعيشيِّ واليوميِّ لدى المواطن العربي، الذي صار يُغالب مكابداتٍ ليست هينةً في توفير حياةٍ كريمة وآمنة، ينعم فيها بحقه في تعليمٍ جيد وعملٍ يحميه وينهض به، وهذه من قضايا التقرير الجديد للمؤسسة العلمية - الفكرية، وهنا دعوة إِلى الإفادة منه.