استطاب بعضُهم الثرثرةَ إِياها عن أَطماعٍ لفرنسا لاستعادة نفوذٍ لها، ينحسر في إفريقيا، وراءَ إِرسالها أَلفي جندي إِلى جمهورية إفريقيا الوسطى (4.5 ملايين نسمة)، بتكليفٍ من مجلس الأَمن الدولي «لاستعادة الأمن وحماية الأهالي وضمان وصول المساعدات الإنسانية»، في قرارٍ توافق الأَعضاء عليه، من دون جدلٍ كثير، صدر فور تواتر الأَنباء عن اقتتالٍ طائفيٍّ أَهلي استعر في البلاد،..

ولم يكن عدد القتلى، في غضونه، قد وصل إِلى نحو 500 تالياً، في العاصمة بانغي وحدها. إِنها الأمم المتحدة تبادر إلى إحدى وظائفها، وقد اشتد هذا الاقتتال بين ميليشياتٍ مسيحيةٍ وأُخرى مسلمة، بعد أَن استولى على السلطة تحالف من غالبيةٍ مسلمة، في انقلاب نجح، مارس الماضي، في تنصيب المسلم ميشال دجوتوديا رئيساً مؤقتاً، فيما نصفُ سكان البلاد مسيحيون، و20% مسلمون، والبقية من أَديان وعقائد أُخرى.

لسنا مضطرين لتتبع تفاصيل النزاع في ذلك البلد الذي يبادر رئيسُه إلى محاورة المتمردين على سلطته، لإنهاء العنف المتصاعد، وبدء عملية سياسية، تنقل السلطة إِلى حكومة منتخبة. لسنا مضطرين إلى ذلك، فالذي فينا، نحن العرب، يكفينا ويفيض، لكننا نجدنا مدفوعين إِلى زوبعةٍ من أسئلة، بشأن هذه الحميّة الدولية لحماية ناس إِفريقيا الوسطى من بعضهم، فيما ناس سوريا متروكون للضباع الحاكمة..

ولتدميرٍ يتواصل فيها، واقتتالٍ بوصلاتُه مختلة. ما الذي يدفع الدول الكبرى في مجلس الأمن إِلى تدخلٍ عسكري، وإنساني، لإيقاف اقتتالٍ طائفي، بين مسيحيين ومسلمين، في بلد قليل الأهمية استراتيجياً في الحسابات الإقليمية والدولية، وإِنْ تتوفر إِفريقيا الوسطى على حديدٍ وذهبٍ وماس ويورانيوم؟ ما الذي يستنفر «شهامة» أَعضاء مجلس الأمن إلى هذا التدخل العاجل..

فيما تتآكل سوريا، وتتنقل فيها المذابح المهولة من بلدةٍ إِلى أخرى، وتنقذف من طائراتٍ عمياء في سماوات قرى ومدن غير قليلة، براميل متفجرة حارقة على رعايا قوة الاحتلال الحاكمة، من جديد ضحاياها عشرات الأطفال والنساء والعجائز في حلب، وجثث غير معلومة العدد تحت الأَنقاض، من دون أَن توقفَ عواصف الثلج مرتكبي جريمة الإبادة هذه!

لا مطرح في التحليل السياسي لسوء الطوية لدى هذه القوى، أَو تلك، بشأن خياراتٍ وممارساتٍ سياسية معلنةٍ أَو مضمرة، لكن هذا السوء شديد الوضوح والحضور في سوريا، حين يُجاز لبشار الأَسد أَن يقترفَ ما يشاء، مقابل تحطيم الجيش السوري، واستنفار العصبيات الطائفية المقيتة، لمزيدٍ من جنونٍ لا يُراد له أَنْ يتوقف، أَقله في المدى المنظور، باتجاه أَنْ يدمر السوريون بلدَهم أَكثر فأكثر..

هذه هي المؤامرة، وإِذا استطاب خبثاءُ منا تأشيراً إِلى أَقلياتٍ وأَكثرياتٍ في إِفريقيا الوسطى وسوريا، فليس في البلد الإفريقي التعيس، في الوقت نفسه، جوار إِسرائيلي، كما عند بلدٍ نكب شعبُه بسلطةٍ تبتكر ضده صنوفاً من الإرهاب تعصى على الخيال، يجعل إنهاك سوريا وإِنهاءَها، مقدّراتٍ وإِمكانات، غايةً طالما كانت مشتهاة.