ليس موضوعاً كبيراً أَن تحب فيروز هذا السياسيَّ اللبناني دون غيره، فهذا شأنها، غير أَنَّ مُراد نجلها زياد الرحباني في الجهر بذلك، رماها في اصطفافاتٍ سياسيةٍ لبنانية، وكان الظن (وما زال؟) أَنها أَيقونةٌ لبنانية، وذاتُ فرادةٍ عربيةٍ خاصة، لا يليق زجُّها في أُتون تنازعاتٍ من الصنف المقيت الذي يعرفه بلدها، وفيه من البلاهات والرداءات ما يفيض ويزيد.

ولا يبدو أَنَّ زياد شعر بحرجٍ عندما بادرت شقيقته، ريما الرحباني، إِلى إِيحاءٍ بتكذيبه، لمّا أَكدت عدم جواز نطقِ أَيِّ كان باسم فيروز، وإِنْ كان ولدها. يُؤتى على هذه الحدوتة، فيما الكارثة التي يرتكبها زياد الرحباني، بحقِّ نفسه، وبصورة أَيِّ مبدعٍ حقيقي، حين يُعلن، بزهو، أَنه لو كان في مكان بشار الأَسد لفعل ما يفعله.

وهنا، يجوز سؤالٌ عن كل هذه الفظاظة في شخص الموسيقار الشهير، والذي يفترض أَنْ يكون مرهف المشاعر والأحاسيس، عندما يأخذ نفسه إِلى مطرحٍ بغيضٍ، مثل ما يقترفه بشار الأسد، الموصوف قاتلاً، في أَقل نعوته تشخيصاً لما هو عليه حاله الراهن.

قال زياد الرحباني، مرَّة، إنه يؤيد ستالين في قتله ثلاثة ملايين روسي، بحسبته غير الصحيحة، فيما قتلى المذكور 20 مليوناً. ونُخمن أَن نجل فيروز وعاصي الرحباني، والمجدّد اللافت في موسيقى الرحابنة، لا يُشغل باله بعدِّ من صيَّرهم بشار ونظامُه قتلى وجرحى وجوعى ومأسورين ومنكوبين ومهجّرين. لا يعنيه هؤلاء بشيء، بقدر ما تعنيه جسارة الرئيس السوري وثباتُه في قتال الإرهابيين التكفيريين، على ألا يرى المحنةَ السورية حزبُ الله وإِعلامُه الذي يستخدم زياد في محاولاته الخاسرة تعزيز هذه القناعة، وهو الحزب الذي يحارب مسلحون منه مع الأسد في الداخل السوري، برفقةِ حوثيين يمنيين وصدريين عراقيين وميليشيات من عصائب الحق وحزب الله العراقي.

يعرف زياد الرحباني أَنَّ نظام الأسد، الأب ثم الابن، لم يجرح إِسرائيلياً واحداً في بطاح الجولان منذ أَزيد من أَربعين عاماً، فيما يموت فلسطينيون في مخيم اليرموك من الجوع، في غضون حصار النظام المذكور جهاته، ويموت سوريون كثيرون بالبراميل المتفجرة وغيرها، في حلب وجوارها، كما مات أَطفالٌ في غوطتي دمشق بغاز السارين.

عودُهُ رنّانٌ زياد الرحباني، وكان الظن أَنَّ صفته فناناً، مبدعاً كبيراً، ولا مراء في هذا، يجعل صورتي حمزة الخطيب وطلّ الملوحي (مثلين لا غير)، لا تفارقانه، وهو يرى مستشفى الكندي لأَمراض السرطان في حلب مدمراً، بعد أن حولته قوات الأسد ثكنة عسكرية، وهو يرى الخراب المهول في حمص ودير الزرو وحماة وأَرياف دمشق. كان الظنُّ أَنَّ اشتغاله في إِيقاعات الموسيقى، وكذا يساريّتُه المتمردة، يدفعانه إِلى الانحياز لحياة الإنسان قيمةً كبرى، لكن قولتَه تلك عن مطرحه مكان بشار الأَسد، تصيبنا بالفزع المر، حين ينكشف عن فنانٍ بلا حساسيةٍ تجاه القتل..