مدرسة التشبيح

عندما تُعري عناصر وحدات «بيركوت» الأوكرانية متظاهراً وسط الثلوج، ويلتقطون له صوراً «للتاريخ» وهم يعتدون عليه، وعندما يضرب أفراد الأمن محتجاً وهم يسألونه بطريقة تهكمية عرفناها سابقاً: «أتريد أوروبا؟»، حينها سيتكشف أن المرجع في أوكرانيا وسوريا واحد. لا تختلف تلك المشاهد المروعة التي التقطت بأجهزة المحمول، وسربت بعدما دفع ناشطون إلى عناصر الأمن الأوكراني أموالاً، عن نظيرتها في سوريا، حيث لاتزال ماثلة للعيان، مشاهد الدوس على المتظاهرين وضربهم والتقاط مقاطع مصورة «تذكارية» لعمليات تعذيب.

يذكر السوريون تماماً ذلك المقطع المصور لأفراد الاستخبارات وهم يضربون ناشطين ويرددون: «أتريدون حرية؟»، كما لن ينسوا مناظر من قبيل دفن معارض حياً لأنه رفض تأليه رأس النظام.

وكما في سوريا، واجهت السلطات الأوكرانية الحراك الاحتجاجي المتعاظم، باستخدام القوة المفرطة والاعتقالات العشوائية وترهيب قادة التظاهرات، فضلاً عن السعي لتقسيم صفوف المعارضة، والأهم من كل ذلك الاستقواء بتأييد موسكو خارجاً والاعتماد على أقلية عرقية في الداخل، أي الأوكرانيين من أصل روسي.

وكما في سوريا أيضاً، ظهرت ميليشيات الشبيحة لمواجهة المعارضين، إنما هذه المرة باسم جديد هو «تيتوشكي»، نسبةً إلى خارج عن القانون يدعى فاديم تيتوشكو اعتدى على صحافيين في كييف قبل شهور. وأولئك الـ«تيتوشكي» يتصفون، كما الشبيحة أيضاً، ببنية جسمانية قوية وتعليم متدنٍ ويتقاضون رواتب من أجهزة الأمن، ومهمتهم استفزاز المتظاهرين وتحويل احتجاجاتهم إلى فوضى عنفية. والأدهى، أن السلطات هناك تعتمد أسلوباً عصرياً في تجنيدهم، من خلال إعلانات على الانترنت تجذبهم بالمال، ومن ثم تمدهم بأسلحة بيضاء لضرب المعارضين في الشوارع.

ما حصل ويحصل في أوكرانيا وسوريا صراع وجودي بين فريقين، أحدهما يستخف بكرامة الإنسان بشكلٍ فاضح ويستهين بمفهوم الحرية بطريقة فجة، وآخر يرى أن حق الشعوب في تقرير مصيرها لا يعلى عليه، وأن دولة القانون يجب أن تسود فوق الجميع.

والقاسم المشترك في الحالتين، هو مدرسة تشبيح واحدة في الخارج تدعمهم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وتقف في وجه تطلعات الشعبين الأوكراني والسوري. لقد انفجرت أوكرانيا كقِدر ضغط تركته تراكمات الأخطاء يغلي بلا حساب، وآن الأوان لتغيير عميق يعالج جذر المشكلة، بدلاً من ترحيلها واتباع سياسة النعامة. فالغرب الأوكراني يرى مستقبله في الاتحاد الأوروبي، بعدما سبقته إليه دول جارة أخرى مثل بولندا ورومانيا، بينما يتمسك الشرق بالأم روسيا.

وإن كان الفراق أمراً لا مفر منه، فليكن. أما بقاء الحال على ما هو عليه بهذا الشكل، فيعني أن عملية التطور السياسي والتنمية الاقتصادية ستبقى مجمدة، بينما تنهار أوكرانيا شيئاً فشيئاً وتتحول إلى جزر متنازعة تتحكم فيها الميليشيات والأوليغارشيون، وتضمحل فيها دولة المؤسسات.

الأكثر مشاركة