الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، كما أنه ليس مستحيلا أن يتوحد السودان مرة أخرى، فهنالك سابقة ألمانيا التي انشطرت قسمين مدة 45 عاما، ثم عادت بعد انهيار «جدار برلين» الشهير، الذي أصبح معلماً للأجيال المتعاقبة في ألمانيا يحكي عن إرادة وعزيمة الشعوب، وهي الآن أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي.

ومن الغباء السياسي أن نقول ما هي جدوى الوحدة بين شمال وجنوب السودان، الذي ورثته الأجيال السودانية منذ القدم دولة واحدة عجز الاستعمار الإنجليزي عن تقسيمها إلى دولتين، رغم أنه غرس بذور الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، بهدف محاربة الثقافة العربية والوقوف في وجه انتشار الدين الإسلامي الحنيف.

والمصالح بين الشعوب هي أساس التنمية، وجنوب السودان يمثل ثلثي مساحة السودان، وفيه موارد طبيعية خلاف النفط، إضافة إلى وجود حزام من القبائل الرعوية المتداخلة في وشائج وتزاوج منذ آلاف السنين، لذلك من الصعب فصل هذه العلاقات الاجتماعية الممتدة بقرار سياسي.

خصوصاً وأن الموارد الموجودة في الشمال غير موجودة في الجنوب، كما أن عملية الانفصال تمت بتآمر من الغرب، مع تقديم تنازلات من الحزب الحاكم في شمال السودان، الذي آثر السلطة على الوحدة، واكتشف مؤخرا أن السلطة دون موارد الجنوب ليست ذات جدوى.

كما أن قادة الحركة الشعبية الموقعة لاتفاق السلام، اعتقدوا أن البترول سوف يحقق لهم جنة الفردوس المفقود بعيداً عن الشمال، وكانت تلك أيضا نظرة قاصرة، فالجنوب الآن يحترق بأيدي أبنائه.

ويمكن أن يعود جنوب السودان للوحدة من جديد، لكن ذلك يحتاج إلى عقلية واعية وإرادة سياسية من طرفي الحكم في الشمال والجنوب.

وتجب الاستفادة من التجارب الوحدوية التي حققت نجاحا باهرا في العالم العربي، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة التي أرسى دعائم الاتحاد فيها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي نجح في جمع الصف وتأسيس دولة عصرية مع إخوانه حكام الإمارات.

فاقت دولاً متقدمة بما تحقق فيها من نماء وازدهار ورفاهية للمواطن، وأصبحت واحة غناء مزدانة بالحب والولاء والانتماء للقيادة الرشيدة، التي تعمل من أجل تحقيق السعادة لإنسان هذه الأرض الطيبة التي رويت بالحب والعطاء.

 وهنالك قادة قليلون أمثال مانديلا الذي أحال المرارات والاضطهاد إلى حلم وتسامح، وجعل المستعمر السابق شريكا في البناء في جنوب إفريقيا، فما بالك بأبناء وطن واحد!

نعم، قد يرى البعض عائقا في اختلاف الدين، ولكن الإسلام لم يكن يوما عنصر تفريق، بل انتشر في السودان بالتسامح والإخاء، والوحدة أجدى لمصلحة الجميع. فالعالم الآن يتجه نحو التكتل والتحالف للوقوف في وجه التحديات، كما أن التنوع الثقافي والعرقي هو وقود للتميز والتطور، وليس للفرقة والشتات.