التطرف في المشهد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في نظرة على ما يكتب حول طبيعة انتماءات الأفراد لبعضهم، نجد أن غالبيتها تتفق حول قضية واحدة، وهي أن انتماء الفرد إلى الجماعة شرط أساسي لوجوده، وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن أكثر الانتماءات انتشاراً في العصر الحديث، هي ما تمحور حول القومية والإثنية، وتتفق أيضاً على أن تلك المذكورة، مضافاً إليها الدينية هي الأقوى على مر العصور.

يوفر الانتماء إلى الجماعة حاضنة فكرية وتعبوية أساسية، وتعريفها بدقة وبوضوح، يساعد على اندماج أفرادها ويحفظ سلوكهم، وأي خلل في التعريف يترجم في سلوك أفرادها، ويُؤصل على مر الزمن إذا ما استمر، أكان سلباً أم إيجاباً، لتوصّف جماعة معينة بمجموعة سمات تمييزية، وهو ما يحذو بنا أحياناً إلى إطلاق حكم عام على مجتمع وآخر، نتيجة تكرار ممارساته، أو بكلمة أخرى، تجذّر عادته وتقاليده.

إلا أن الملاحظ حديثاً هو انتشار جماعات تقوم على أساس تعريفات فضفاضة «جداً» غير مؤطرة، تتخذ من التطرف بأشكاله قنوات للتعبير عن نفسها، وربما أكثر ما يحير في تلك الجماعات، استمرارها بشكل أو بآخر، وسرعة انتشارها على امتداد العالم، وهو ما يخالف ما اتفقت عليه دراسات الانتماءات والهوية والجماعات، من أن وضوح القواعد التعريفية هو أساس صمود الجماعة على مر الزمن.

وكأن الأطر التعريفية الواضحة للجماعات المتطرفة هو الالتزام بالتطرف ووحشيته، وهذا معنى واسع جداً، يتدرج بين استباحة دماء غير المسلمين إلى المسلمين أنفسهم، لاختلاف طرق صلاتهم مثلاً، والأمثلة في هذا المجال كثيرة، ربما أشهرها ممارسات تنظيم القاعدة وفروعها في الدول العربية والغربية، وما يحدث من عمليات تفجيرية أو خطف، سواء حدث ذلك في نيجيريا أو فرنسا أو ليبيا وغيرها.

وكدليل على الخلل في الأسس التعريفية لهذه الجماعات، هو الانقسامات المتكررة داخلها، فبينما تنشأ جماعة معينة بكل بساطة باتخاذها شعاراً واتفاقها على سلوك معين، مثل «جهاد العدو» دون أن تحدد بدقة من هو العدو وما حجمه وأين مكانه، تسري الخلافات داخلها على تفاصيل التفاصيل، لتتشعب إلى جماعات أخرى تقتتل جميعها مع بعضها ومع أعدائها الكثر، وهذا حال الجماعات الإرهابية أو المتطرفة، ولو نظرنا اليوم إلى مشهد الأمم، سنجد هذه الجماعات باتت تمتلك حيزاً كبيراً فيه.

 

Email