عن الخدمة المدنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرة هي المساعي الإسرائيلية للنيل من كينونة الداخل الفلسطيني المحتل وأبنائه، إلا أنها تتقاطع عند الهوية، فالأخيرة مرتكز أساس للسياسات الإسرائيلية الممنهجة تجاه الفلسطينيين، والاحتلال استيطاني إحلالي بامتياز، يكبر "حجماً" كلما تغذى على إرث شعب تجذر في أرضه منذ عهود. من ضمن أهم المخططات الإسرائيلية ما يعرف بالخدمة المدنية، التي تستهدف فئة الشباب في الأساس.

الفكرة بسيطة، وهي إشراك الشباب الفلسطيني في الخدمات المدنية مثل خدمة دور المسنين أو الانخراط في مختلف الأعمال التطوعية، جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين اليهود وآخرين ممن يعيشون في الداخل، مقابل أجر مادي.

قد يغري العائد المادي الزهيد بعض الأسر الفلسطينية، لا سيما المحتاجة منها، والفقر هو ما تعول المؤسسات الإسرائيلية عليه لجذب الشباب نحو مشروع يمهد الطريق للانخراط في الخدمة العسكرية، وبمعنى آخر فلا فرق بين الخدمة المدنية والعسكرية من حيث الجوهر، فكلاهما يستهدفان شق وحدة الصف الفلسطيني، وإضعاف مركبات الهوية القومية الفلسطينية، والتأثير سلبا على ما يرجو الفلسطينيون تعزيزها، وهي المطالب السياسية الجمعية.

أحداث كثيرة أسهمت في إيجاد الخدمة المدنية، إلا أن النقطة المفصلية هي ما يعرف في الداخل المحتل باسم "هبة أكتوبر"، المسيرات التي لم تشفع سلميتها دون إراقة الدماء، حيث ارتقى خلالها 13 شهيدا.. فما استثار غضب السلطات الإسرائيلية هو عدم نجاح محاولاتها للقضاء على الهوية الفلسطينة..

حيث اعتقدت أن الداخل بات مفصولاً عن الضفة الغربية وغزة، وأن من حُملوا جوازات إسرائيلية مكرهين أصبحوا يدينون بالولاء للحكومات، إلا أن وضوح الموقف الفلسطيني وقتها، وخاصة موقف الشباب من التصعيد الإسرائيلي تجاه الأقصى والمقدسات الفلسطينية هو ما شكل الصدمة الأكبر للحكومات، وهنا بدأ التخطيط لأجندة الخدمة المدنية. وتبين أن سنوات الحكم العسكري الطويلة والقبضة البوليسية الإسرائيلية لم تقض على انتماء أبناء الداخل الطبيعي، عدا عن فشل سياسات الأسرلة واحتواء الشباب التقليدية..

وهو ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى التركيز على فئة الشباب خاصة، وتخصيص ميزانيات كبيرة للعمل على تجنيدهم بطرق شتى. الحراك الشبابي المسلح بالنضج السياسي، الذي اختبر ممارسات الاحتلال عن قرب، هو من يُعول عليه كثيرا في مقاومة الخطط الإسرائيلية المتتالية، ووجود حاضنة ثقافية فلسطينية واضحة الأبعاد مُقدم على غيرها في مقاومة تذويب الهوية.

Email