وادي الصليب بحيفا

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يختار من يزور وادي الصليب في حيفا، أحد أقدم وأعرق الأحياء السكنية الفلسطينية، الجلوس على درج أحد البيوت الخاوية، أو الدخول إلى المنزل من شق في جداره، وأيا كان الخيار، فلا ساكن سيسأل: من أنت؟

أهل هذه المنازل يُعرفون بالحاضر الغائب، وفق قانون «أملاك الغائبين» الإسرائيلي، الذي يُعرف بحسب مركز «عدالة» القانوني من هُجر أو نزح أو ترك حدود دولة الاحتلال حتى نهاية عام 1947، لا سيما إثر الحرب، بالغائب، وعليه تعتبر كل أملاكه من أراض وبيوت وحسابات بنكية وغير ذلك «أملاك غائبين»، ويديرها وصي تعينه الحكومة الإسرائيلية.

عائلات كثيرة هُجرت إلى خارج البلاد، بينما شردت أخرى إلى أحياء في المدينة ذاتها، وهؤلاء أيضاً مشمولون في القانون الصادر عام 1950، روايات حي وادي الصليب تحكي كيف أن السكان اضطروا على وقع البراميل المتفجرة التي كانت تدحرج من أعلى الحي إلى أسفله، عدا عن الرصاص الحي، التوجه قسرا نحو البحر، لركوب سفن جهزت لنقلهم إلى المجهول. قانون أملاك الغائبين هذا هو الأداة الأساسية لدولة الاحتلال كي تسيطر على أملاك اللاجئين الفلسطينيين، عدا عن الوقف الإسلامي، والمقدسات المسيحية والمقابر وشواهد الهوية الفلسطينية.

المشهد في حي وادي الصليب مختلط جداً، والناظر إليه من جهات عدة يجده بات محصوراً بين بنايات وشركات ذات طرز حديثة، أنشأت تحديداً لتغيير ملامح المنطقة، عدا عن أن أسلوب البناء هذا بات يتسلل إلى داخل الحي ذاته، بحجة إعادة استثمار بعض بناياته.

ينشط حقوقيون ونشطاء في جولات تعريفية بالحي والسياسات الإسرائيلية تجاهه، ومن هذه الجولات ما استوحت اسمها من روائع الأدب، مثل رواية الأديب الفلسطيني غسان كنفاني «عائد إلى حيفا»، ساعية للتأكيد على أهمية النضال الشعبي في مقاومة محاولات تغيير ملامح الحي والمناطق الفلسطينية عامة.

الحي قائم قبل نكبة عام 1948، ويطل على آثار من المعمار العثماني، حيث الساعة القديمة والحمامات التركية وبيت الباشا، إلا أن معظمها حُول إلى حانات اعتلتها علامات تجارية لمشروبات كحولية، وتركت اليوم مهجورة.. ورغم خلو المشهد من أبطاله، إلا أن أصوات ذكرياتهم لا تزال تسكن المكان، يسمعها فقط من تسلح بأمل العودة.

 

Email