أنواع الحروب الفكرية والصراعات الثقافية الطاحنة التي تغلغلت وأخذت لها مقرا في دولنا العربية باعتقادي أنها تداعيات التخلف الاداري وغياب مفهوم التنمية الاجتماعية والبشرية في عملية صنع السياسات العامة وعلى رأسها ادارة شؤون المجتمع الذي يجب أن يولي جل الرعاية والاهتمام.
المجتمعات العربية غير مؤهلة بعد لتوفير خدمة بشرية وعدالة اجتماعية، بمعنى أن الفرد العربي لا يتلقى تنشئة بإمكانها أن توظف عقله وفكره وطموحه للاستثمار في بنى الدولة بل ان أكثر ما قاسى منه هي الأزمات المتعاقبة بجميع أشكالها وأهمها الانسان ذاته الذي يعيش في محيط بشري مضطرب، مجتمع يفتقر الى مؤسسات تعليمية مؤهلة.
حيث يشير التقرير الاقليمي لعام 2015 من منظمة اليونيسكو الى أن أوضاع التعليم في الوطن العربي تعد كارثة ويجب أن تتغير الأنظمة التعليمية وتنتقل الى مرحلة التعليم الحقيقي لا التلقين.
بالإضافة الى أنها مجتمعات تعاني من عجز في توفير اللوازم للمحتاجين، كما أنها لا تولي المرأة والطفل كل الاهتمام وتغيب عنها الأندية الأدبية والثقافية والفنية، وتكثر فيها الأمكنة غير الآهلة للعيش، لذا من الطبيعي أن تصبح تلك المجتمعات سلبية تقبع في دوامة الخلافات وتغيب عنها لغة الخطط والأهداف.
وهناك الكثير غير تلك العوامل التي تجعل من الإنسان العربي مهاجراً ومحركاً شرساً تدفعه عقدة النقص ودوافع الحاجة لإيجاد طرق يوظف فيها قدراته وطاقاته لخدمة ذاته ماديا وفكريا ووجدانيا بغض النظر عن طبيعة العمل أو المكان وأهدافه، لأن الدافع الأعنف الذي يدفعه هو البقاء والانتقام من الاضطهاد والقهر.
فالإنسان العربي متعطش لحياة مستقرة ومعتدلة اجتماعيا خالية من سياسات الاقصاء والعدوانية مع الآخرين، قائمة على اساس التعددية الثقافية وبيئة غنية بخطابات التسامح ومعاني التواصل السلمي والحميمي مع مختلف الطوائف والأعراق.
وجميع تلك المطالب ستتحقق عندما يكون الانسان هو المسؤولية العظمى ويستخدم كمادة ووسيلة وغاية وأداة لتحقيق التعايش والاستقرار والحياة في مجتمعاتنا العربية، لأنه بذلك يعطي الثقة العنصر الأساسي في اتمام عملية التماسك والتلاحم في المجتمع الواحد.
العالم العربي اليوم تنقصه الكثير من أساسيات النهضة في كافة المجالات ومازال قابعاً في دائرة العالم الثالث على الرغم من وفرة العنصر البشري.