حول تسليح العشائر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكلام الأميركي عن تدريب عشائر لتحرير هذه المدينة أو تلك أو مواجهة الإرهاب في العراق أو سوريا أو ليبيا أو مالي أو الصومال أو نيجيريا، وربما سيناء، لا ينبغي أخذه على محمل السياسة التي سار عليها البشر منذ ظهور الطبقات، وبالتالي السياسة مروراً بالاقتصاد.

ويبدو أن من يملك رأساً مركباً بين كتفيه، بحاجة ماسّة لأن يستخدمه في التعاطي مع كل ما يراه ويسمعه، في زمن تبدّلت فيه المفاهيم والمصطلحات، وأصبحت البديهيات والمسلّمات بحاجة لإعادة نقاش، وتحوّل ما كنا يوماً ما نردّده على سبيل النكتة والتندّر، أمراً يحدث على نحو طبيعي بسلاسة عجيبة.

في الواقع الفلسطيني، مثلاً، ثمّة امتدادات للفصائل في القرى والأرياف وفي أوساط العائلات، بل إن الانقسام العائلي الذي أنعشه الاستعمار التركي بكل ما زرعه من ضغائن وفتن، يجد بعض الترجمات في الواقع الفلسطيني المعاصر، من خلال سيطرة فصيل ما على عائلة ما، مقابل استحواذ فصيل منافس على العائلة المنافسة. لذلك تأخذ بعض عمليات الانتخاب مثلاً صبغة عائلية بوجه سياسي أو حزبي.

لكن حتى في هذا المشهد، تبقى الصورة الأخيرة، أحزاب تقود عائلات، أو أحزاب تخفي خلفها عائلات. أي أنه حتى كبار السن أصبحوا يسلّمون بقيادة السياسي والحزبي، حتى لو على شكل واجهة.

في السياسة الأميركية المتّبعة إزاء ربيعها «العربي»، تبدو الصورة مقلوبة، حيث تسمح الولايات المتحدة لنفسها، مع كل حداثتها وشعاراتها الديمقراطية، أن تتعامل مع عشائر كبديل للدولة، وليس فقط كبديل للأحزاب. هي تعلم أن تسليح العشائر، حتى لو حمل عنواناً لحظياً، له تداعيات متزامنة أو مؤجّلة.

عندما ينتهي المبرّر المعلن، سينخرط العشائريون المدرّبون والمسلّحون في صراعات عشائرية أو طائفية أو مذهبية، بل أكثر من ذلك، قد يلتحقون بميلشيات الموت والإرهاب، وقد تعاني أميركا نفسها منهم، كما عانت سابقاً، لأنه فقط المؤمن، من لا يلدغ من جحر مرتين.

Email