العنف في جذوره

علماء الاجتماع والتاريخ مطالبون بسبر أغوار العنف كظاهرة عربية ليست جديدة، ليس مع الأعداء فحسب، إنما بين أبناء العمومة وبين الأخ وأخيه في كثير من الأحيان. يلزمهم أن يعودوا إلى التاريخ ويلقوا الضوء على مفاصل دموية في هذا التاريخ وهي كثيرة بغزارة الدماء التي سالت لأجل معزاة أو بئر ماء. ليتوقّفوا عند حرب دامت أربعين سنة لأجل ناقة البسوس، ويتأملوا حرب داحس والغبراء.

في كل تلك الحروب لا مستعمر أجنبي ولا احتلال ولا استيطان ولا طوائف أو مذاهب، بل غالبيتها بين أطراف تجمعها رابطة قرابة علاوة على انتمائها لجذر عربي محيّر بين الجفاف أو يسقى بالدماء.

 ذلك التراث من الدم حوّل «قطع الرأس» إلى ما يشبه قطف وردة من حوض على مدخل بيت، بل جعل من «قطع الرأس» مثلاً شعبياً نستخدمه حين نتباهى في شجاعتنا، فيسخر الواحد منا قائلاً «لن يقطع رأسي» أو «لا يقطع الرأس سوى من ركّبه».

ليعد كل منا إلى ذكرياته في الجامعة، أو يتأمل المشهد إن كان ما زال على مقاعد الدراسة، ليبحث في أسباب تحول اصطدام كتفين على مدخل كلية إلى صراع بين مئات الطلبة ينتهي بجرحى وربما قتلى يلفظون أنفاسهم قبل أن يعرفوا سبب «المعركة». ليعد الريفي إلى تاريخ قريته ليتأكد كم هي صعبة مهمة إيجاد أسباب «وجيهة» للصدامات العائلية التي تتلون بالدم في غالب الأحيان.

نحن بحاجة إلى خلية نحل من النوع الذي ينبض عسلاً ولا يلسع، ذلك أن من يحملون جينات البسوس غير مؤهّلين لبحث علاجي. ولا بد من إعادة نظر في معادلة الأسباب والنتائج بعموميتها كمنهج، وبخصوصية العنف كظاهرة بدأت منذ سنوات تأخذ أبعاداً كارثية.

وبموازاة ما يمكن أن تقوم بها أجهزة مختصة لمواجهة العنف والإرهاب داخل المجتمعات العربية، وعلى النقيض من وسائل إعلام ومنابر تغذي الصراعات والفتن الداخلية، ثمة حاجة ماسّة ومهمّة جليلة ملقاة على عاتق من تبقى من مفكّرين ومحلّلين وعلماء وخطباء، كي يجدّفوا عكس تيار التدمير والتآكل والتبخّر والانتحار الذاتي الذي قد يعصف بأمة كاملة.

الأكثر مشاركة