في ذكرى الشيخ إمام

في مثل هذا اليوم السابع من يونيو عام 1995، خسر الفن العربي والإنساني فناناَ ينتمي إلى الدرر الثمينة النادرة، هو الموسيقي والمغني الشيخ إمام عيسى الذي فقد بصره في العام الأول من عمره، لكنه كان يملك بصيرة ثاقبة أهّلته ليكون ظاهرة بكل ما للكلمة من معنى.

ظاهرة عبّرت بصدق ونقاء عن هموم الإنسان العربي الموجوع بهزيمة يونيو 67، وبالتجميل القسري الذي فرضه عليها بعض المثقفين والإعلاميين، رغم قسوتها وكارثيتها. ظاهرة حملت النُّخب المثقفة والأوساط الطلابية في مصر والعالم العربي على أجنحة التفاعل والجدل الفني والسياسي، على نحو لم تشهده أية ظاهرة فنية أخرى.

الراحل الشيخ إمام مثّل مع الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم الثنائي الفني الأشهر والأكثر قيمة ودلالة ومعنى، لناحية الالتزام بقضايا مصر والأمة العربية والإنسانية. وبلغة الزمن والمناسبات أو السبب والنتيجة، ولد هذا الثنائي من رحم هزيمة يونيو 1967، التي أحدثت زلزالاً بقوة ستة أيام بمقياس الزمن العربي الثقيل.

إمام محمد عيسى ولد في قرية أبو النمرس في محافظة الجيزة، ظهر نبوغه مبكراً، ما دفع والده لإرساله إلى المدرسة الشرعية في القاهرة، وهناك حفظ القرآن الكريم كاملاً بالقراءات السبع حين كان في السابعة عشرة من عمره. وإذ ظهر جمال صوته اختير كمنشد رئيسي في فرقة الإنشاد الديني في المدرسة.

للمفارقة، فإن الصبي النابغة دفع في ذلك العمر الغض ثمناً باهظاً بفعل منهج التكفير، إذ فصلته المدرسة الشرعية لأنه «ضبط متلبّساً بسماع القرآن الكريم من الراديو».

وفي السياق الذي وضع فيه الصبي حياتياً، نبتت بذور التمرّد والثورة إلى أن نضجت بعد الهزيمة، وأثمرت حقلاً من الأغاني التي تلامس أحاسيس الإنسان ومكامن روحه.

وكان أفضل ما لجأ إليه شباب ميدان التحرير للتعبير عن واقع مصر خلال انتفاضة 25 يناير، أغاني الشيخ إمام التي صدحت في الميدان طيلة فترات الاعتصام. غنى لكل قضايا العرب والإنسانية، لكنّه بالتأكيد كان مع زميله الراحل نجم يمثّلان ذروة العشق لأم الدنيا التي مما قالا فيها «يا مصر يا أول صورة في عيون المولودين.. يا مصر يا آخر صورة في قلوب الميّتين».