حين يرحل العظماء تقف عقارب الساعة عن دورانها بل لا تجيد إلا الصمت والانكسار والاحتضار لخسارتها الكبرى لمن كان يشاركها تفاصيل الثواني، ويتقاطع معها لحظات التحدي لتعلن الثواني خلالها خططاً مرسومة، وترسم الدقائق مشاريع مقسمة، وتحتفي الساعات بإنجازات غير معهودة سابقت الزمن وكسرت حاجز المستحيل وغير المتوقع. للوقت في حياة العظماء قيمة ثمينة فعندما أرادوا بلوغ المكانة تمكنوا من الوقت فحفظوه،وهذا ما كان يتجسد واقعا ويصدع متجليا في ذات الراحل العظيم فقيد الأمتين العربية والإسلامية بل فقيد العالم برمته سعود الفيصل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

مآثر هذا الراحل تعجز عن خطها يدي وتستسلم من نقلها الحروف فمن تكتب عنه لا توازيه أمم ولا تهزمه همم ولا تجابهه إلا النواصي الحامية. وأنا لست بصدد الكتابة عن فضائل فقيدنا الجلل ولا بصدد تبيان الحقائق وعرضها فالأرض والتاريخ والزمن كفيل بترجمة ذلك وتفسيره بالتفاصيل التي لن توسعها مقالة ولا موسوعة فهو أعظم من الذكر وأجل من بياض الأوراق وأنقى من سواد الحبر، فكيف لنا أن نوفي من سابقت خطواته عصر حضارته وحدود بيئته حقة في مجموعة صفحات وهو الاسم الأقوى عالميا في حياة التاريخ المعاصر والأبرز حضورا في دهاليز الدبلوماسية والأدهى تفكيرا في محركات السياسة والأهم ذكرا في شؤون استقرار العرب.

سعود الفيصل عميد السياسة العربية وأستاذ الخارجية السعودية بعد عقود متوالية من الانتصارات المشرفة ترجل عن صهوة جواد السياسة ورحل عن الدنيا قبل أيام كانت الأصعب في أعين المخلصين وترك لنا مدرسة سياسية معرفية ثقافية فتحت أبوابها وشرعت عن مخزونها لحظة وداعه، فمن عاش في حضور الفيصل كيف له أن ينسى كفاحه ووفاءه لأرض عروبته عندما يستبق العدو بتصريحاته النارية الهادئة، ويذود بالدفاع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية بقلم ينهك صريره من سمعه، وبحنكة تعجز المتربص عن المواجهة، وبفكر يحبط من ينوي الأذى لشعوبنا وأوطاننا.

رحل صاحب الوجاهة والدماثة والمكانة، رحل القائد نعم كان قائدا ورمزا ومثالا ساميا للشجاعة والبسالة والصمود، وأقول كما قال سيدي عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات «رحل الأستاذ وبقي منهجه».