منذ قدمت ترجمتي لكتاب ريتشارد هول بعنوان «إمبراطوريات الرياح الموسمية»، في قرابة ألف صفحة من القطع الكبير في عام 1999 من إصدار مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية في أبوظبي، الذي يدور حول ألف عام من تاريخ المحيط الهندي، لم ينقطع اهتمامي بهذا الموضوع، وبصفة خاصة بالدور البطولة الذي قام به عرب الخليج في التصدي لاعتداءات الأساطيل الأوروبية.

في إطار هذا الاهتمام، ما كان يمكن إلا أن يلفت نظري ونظر الكثيرين كتاب «الغزاة: كيف سيطرت البرتغال على المحيط الهندي وأقامت الإمبراطورية العولمية الأولى» من تأليف روجر كراولي وإصدار دار فيبر اللندنية في 421 صفحة.

الكتاب يستهل تاريخ الاعتداءات البرتغالية على المحيط الهندي بالحملة التي ضمت أربع سفن، وانطلقت من لشبونة في يوليو 1497، بقيادة فاسكو دا جاما.

يلفت نظرنا أن الهدف المعلن للحملة كان مد جسور الصداقة بين البرتغال وملك مسيحي كان البرتغاليون يقتصدون بوجود بلاده في الهند، ولكن السفن الأربع لم تكن تقل إلا سلعتين، هما المدافع، التي أمكن للبرتغاليين التحكم في ارتدادها، والقنابل.

عندما تمكنت الحملة من الدوران حول رأس الرجاء الصالح، وألقت مراسيها قبالة كالكوت، بادر رجالها باعتقال صيادين كانوا يسعون إلى رزقهم عند الشاطئ، وفصلت رقابهم عن أجسامهم، وعلقت الأخيرة من الصواري، وعندما أقبلت عائلات الضحايا إلى الشاطئ لتبين جلية الأمر، فتح دا جاما نيران مدافعه عليهم بلا تمييز. سرعان ما بعث داجاما بزورق إلى الشاطئ على متنه عدد من رجاله، ومعهم رسالة لا تزال أصداؤها تترد إلى اليوم: «لقد جئت إلى هذا الميناء لأشتري وأبيع وأدفع مقابل نتاجكم، وإليكم نتاج هذه البلاد». أرفق دا جاما مع الرسالة ملء الزورق من جثث الصيادين التي قطعت رؤوسها.

التاريخ يسجل أن الإمبراطوريات الغربية أقبلت إلى المحيط الهندي للنهب والقتل، ويسجل أيضاً البطولات العربية في التصدي لهذه الاعتداءات.

لقد كان أسلوب دا جاما يدور حول عنصرين هما: الصدمة والرعب... ومن يدرسه، ويتأمله طويلاً، لا يملك إلا أن يقول: حقا ما أشبه الليلة بالبارحة!