حقاً ليست مصادفة أن يعود الملايين على امتداد العالم العربي هذه الأيام إلى استعادة ملامح من مسيرة الزعيم العربي جمال عبد الناصر في ذكرى وفاته، وذلك ليست تعبيراً عن لحظة انفعال، أو تجسيداً لعاطفة القلب مواطنها ومستقرها، وإنما بعمق الصلة بين عطاء الزعيم العربي الراحل والتضاريس الدموية الراهنة للواقع العربي.
ليست مصادفة أيضاً أن ترتفع صور عبد الناصر واللافتات التي تستعيد مواقفه في مناسبات وأحداث شتى، على امتداد السنوات القليلة الماضية، في العديد من دول علمنا العربي.
ليس مصادفة أن يترحَّم الملايين من العرب على الزعيم الراحل، وأن يستعيدوا وقفات ومحطات عديدة من تاريخه النضالي، وأن يطرحوا على أنفسهم وعلى غيرهم التساؤل عما كان يمكن لعبد الناصر أن يقوم به لو أنه كان معنا، يواجه التحديات التي نعيشها هذه الأيام.
من المؤكد أن هذا كله يضرب جذوره في عدد من الحقائق الأساسية، في مقدمتها أن عبد الناصر منذ الخطوات الأولى لتحركه السياسي كان منحازاً بكل العمل والصدق إلى الملايين من الفقراء، وترجم هذا الانحياز إلى خطوات عملية تؤثر في حياة الناس إيجاباً، وتجعلهم أكثر تفاؤلاً وأشد استعداداً للانخراط في العمل الوطني.
كان عبد الناصر منحازاً لقضايا أمته العربية، منذ المراحل الأولى لمسيرته السياسية، وربما لهذا ارتفعت صوره والرايات التي تردد أصداء مرحلته، ليس في مصر وحدها، وإنما في العديد من أقطار العالم العربي.
الفقراء الذين كانوا في الصفوف الأولى من حركة النضال تحت راية عبد الناصر يتذكرونه اليوم، وهم يعون تمام الوعي أن لا سبيل إلى تكرار ملامح تجربته. لكنهم يدركون بوضوح بالغ أن من الممكن استلهام روح تجربة عبد الناصر، وأن من الممكن استعادة القيم التي أعلى الزعيم الراحل من شأنها، قيم العمل لا الفهلوة، الشرف وليس اللعب على كل الحبال، النضال وليس اللعب بالثلث ورقات، الأخلاق وليس كل ما يؤدي إلى الربح، بغض النظر عن الخصومة مع الأخلاق.
حقاً ليست مصادفة أن يملأ الأفق رجل يظل حاضراً بأفعاله ونضاله وتضحياته من أجل أمته، ليست مصادفة أن يظل عبد الناصر كبيراً وجليلاً، حتى في عيون خصومه.