ينشغل العالم ويقف على قدميه خلال هذه الأيام متابعاً تطورات الأوضاع في سوريا التي استأثرت بنصيب الأسد في مناقشات وخطب رؤساء وقادة العالم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وفي خضم الانشغال بالحالة السورية المعقدة، ينسى العالم وقادته أو يتناسون المأساة المستمرة منذ عامين في السودان، وتحديداً في جنوبه أو تلك الدولة الوليدة التي استقطبت أنظار العالم قبل عامين باعتبارها الدولة الأحدث، وما يدور هناك من قتل وتشريد واغتصاب، حتى ان الأرقام وصلت إلى 4 ملايين لاجئ هجروا بيوتهم وقراهم فراراً من الحرب، وهم الذين كانوا إلى عهد قريب يداعب الأمل عيونهم مع إطلالات النفط في هذه الديار التي أصر العالم كله على استقلالها عن الدولة الأم في شمال السودان.
المأساة في الدولة لا تقتصر على القتل والتهجير وتجاهل العالم لها، بل أيضا الأمراض الخطيرة التي بلغت حد العدوى الخطيرة، ومنها الملاريا التي بدأت فعلياً تفتك بعدد لا بأس به هناك نتيجة للإهمال وقلة الأدوية وحتى المياه، وحتى إن كنت تعيش في بلد يعاني من فيضانات مستمرة من النيل، مع الإشارة هنا إلى جهود بعض المنظمات الخيرية التي لا تزال تعمل هناك بصمت وسط حالة تجاهل من العالم حتى مع الدعوات الخجولة بين حين وآخر والتي تصدر من الأمم المتحدة.
ما يجري في جنوب السودان لا يستأثر كثيراً باهتمام العالم، ربما لاختلاف المصالح رغم الضغوط التي مارسها العالم قبل سنوات على السودان للقبول باستقلال الجنوب وسلخه عن الدولة الأم، والنتيجة كانت تحول تلك الدولة إلى دولة فاشلة بامتياز رغم وجود النفط فيها مع ظهور زعماء الحرب الذين كانوا أصدقاء بالأمس القريب، في سيناريو طبق الأصل عما كان يقوم به هؤلاء ضد الدولة قبل الاستقلال.
في بلد كان الأولى به أن يكون منارة للتعايش وواحة ازدهار اقتصادي بسبب وفرة المياه والأراضي القابلة للزراعة، فضلاً عن النفط، تحول إلى ساحات قتل بين إخوة الأمس، ولا يستبعد أن تظهر في الأفق معالم التقسيم للجنوب نفسه.