تأبطوا القضية، شبكوا الأذرع، رفعوا الشعار، حملوا الأعلام، رصّوا الصفوف، حضروا الخطاب، ونزلوا إلى الساحة. المشهد ليس بجديد، لكن القضية صارت قضايا، والأيدي تشابكت، والشعارات كثرت، والصفوف اختُرقت، والخطابات تنوعت، والساحات تفرقت، لا يزال المشهد غير جديد. إنه المشهد ذاته في الساحة ذاتها التي لطالما كانت مرتعاً لمختلف القضايا وعدد من الاختلافات.

إنه المشهد اللبناني بذاته مع فارق في التفاصيل، حيث كمنت الشياطين التي تبنت كل المسوغات واستغلت مفارق الأحداث، ليبقى المشهد على حاله. تفاصيل أفسدت في قضية مَن يفترض فيهم أن يكونوا «المحاسِبين»، وأطاحت بودّ «المتفقين» على أن لا أساس للقضية طائفي أو فئوي من أي نوع كان، بل مجرد «قمامي» مطلبي جامع طال كل الأنوف تقريباً.

إنه المشهد اللبناني المندرج في فئة الثوابت التي كثيراً ما نسمع بها ونشهدها يومياً من فراغ رأسي وتفريغ هرمي وتقاعس قاعدي، برغم المتغيرات المتعاقبة إقليمياً وداخلياً التي أثقلت كل كيلومترات الوطن المختنق بيئياً بأطنان الملوثين، وديموغرافياً بأعداد النازحين، والمثقل اقتصادياً بديون تخطت بأصفار الملايين، والمرهق سياسياً من المشاغبين المسوّفين غير «المتزحزحين».

ولا يزال بطل المشهد مؤمناً بالمسميات، ولا يزال البعض يتساءل إلى متى وعلى حساب من. سيظل طريق السياسيين يمر بمختلف مناطق المحاور الإرضائية، وطريق اللبنانيين العاديين عابق برائحة الدم المتصاعد من طعنات وجهت إلى قلب الوطن قبل المواطنين.

لا يزال بطل المشهد يعيش على نُتفٍ من أمل يوهم بصيصها المنعكس بمرآة الاتفاق الإقليمي بشيء من الحلّ السياسي الرئاسي المفرغ الكراسي منذ قرابة 500 يوم، وأزمة نفايات متفاقمة على شفير الكارثة البيئية، علّ هيبة الدولة وحكم القانون يعودان إلى الانبساط على بقعة باتت تتساوى فيها الأشخاص والأكياس، وتُرسم على جدران متاريسها مختلف الذوات، وتتفوه مختلف منابرها بكل أشكال وخطابات التعبئة الحزبية التي غالباً ما تعمّدها دماء ضحايا سقطوا غدراً أو قصداً على مذابح لا تتسع لأكثر من أحجام توابيت لا يقوم أمواتها منها، في مؤشر خطير إلى طول طريق الجلجلة وبُعد قيامة الوطن.