قليلة هي الكتب التي تملك عبقرية إضاءة الواقع على الأرض في دنيا الناس، من خلال تحليل متغيرات تغيب عن أذهانهم، وإلى هذه النوعية ينتمي كتاب «من القاهرة إلى بغداد» من تأليف جيمس كانتون وإصدار دار توريس.

يتناول هذا الكتاب عشرات النصوص من كتابات الرحالة البريطانيين، الذين ارتحلوا طويلاً في أرجاء شبه الجزيرة العربية، خلال المرحلة الممتدة من بداية الاحتلال البريطاني في مصر عام 1882 وصولاً إلى الغزو الأميركي والبريطاني للعراق في عام 2003.

يهدف هذا الكتاب، في جوهره، إلى فك التشابك بين أدب الرحلات والتاريخ الاستعماري البريطاني، بمعنى الكشف عن العلاقة بين الرحالة البريطانيين وكتاباتهم والامبراطورية البريطانية.

بهذا المعنى يمكننا القول إن هذا الكتاب النادر يعد متابعة لإنجاز إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق» أي رصد الروابط الخفية بين الثقافة والامبريالية.

ومن النظرة الأولى إلى محتويات الكتاب، نجد أن المؤلف يميز بين خمسة موضوعات أساسية، هي الدين والطبيعة المتغيرة لشبه الجزيرة العربية خلال القرن العشرين والحروب الاستعمارية ورحلات بعض السيدات البريطانيات داخل المنطقة العربية وطبيعة كتب وأدب الرحلات بعد انحسار الاستعمار البريطاني.

في مقدمة الرحالة الذين يتناول الكتاب أعمالهم برترام توماس وجون فيلبي وويلفريد ثيسجر، الذين ارتحلوا في شبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى من شقوا طريقهم إلى بغداد، ومنهم دونالد ماكسويل وإدموند كاندلر وإيلي سوان، ويتناول الكتاب أيضاً كتابات الرحالة الذين شاركوا في حروب المنطقة، بدءاً من الحرب العالمية الأولى وصولاً إلى حرب السويس، ويتوقف بصفة خاصة عند تي. إي. لورنس وغير ترود بيل.

ولست أشك في أننا سيأتي علينا حين من الدهر نطالع فيه وثائق وكتابات الرحالة والباحثين الغربيين الذين مهدوا الطريق للاضطرابات التي تشهدها المنطقة والمعاناة التي يتعرض لها أبناؤها. والمهم أن نستفيد من هذه الكتابات لنتجنب التعرض للمزيد من المحن.