صرخ خطيب الجمعة في المصلين، وكأنه يدعو إلى الجهاد، قائلاً: «أتدرون أن السجدة في بلاد الكفار بألف ألف سجدة»، وبدأ، وهو يعتلي منبر المسجد الكائن وسط ولاية نيوجيرسي الأميركية، في وصف المجتمع الذي سمح له بحرية ممارسة شعائره، بمفردات الضلال والفسق والفجور، داعياً إلى الوقوف صفاً واحداً في مواجهة المؤامرات المحاكة ضد أمة الإسلام، ثم عرج إلى الحديث عن أن الفرقة والتناحر بين اليهود، جعلت بعضهم يتولون نيابة عن هتلر، حرق إخوانهم، مؤكداً «عن قصد أو جهل»، مزاعم الصهاينة حول «الهولوكست».

خطيب المسجد، مصري الجنسية، قيل إنه حاصل على الدكتوراه في الشريعة من جامعة الأزهر، ويصفه المقربون بالعلّامة، لدرجة دفعت جريدة شهيرة هناك، إلى الحديث عنه على صفحتها الأولى، ومناقشة أفكاره التي تصب جميعها في مصلحة ترويج المزاعم الصهيونية والفكر الداعشي.

المترددون على المسجد، أطباء ومهندسون وتجار معظمهم عرب، تتجاوز أعمارهم 50 عاماً، هاجر بعضهم منذ سنوات، بحثاً عن لقمة العيش في بلاد يصفونها في أحاديثهم الجانبية بالكفر، ورغم ما تحمله صفاتهم من شهادات عليا، إلا أنهم يتبنون نفس منطق الخطيب، فها هم يصرخون عقب الصلاة: «تكبير»، فيردد الباقون التكبير بشكل هستيري، أحدث ضجيجاً في المنطقة التي تضم بيوتاً قريبة من المسجد، تجاهل الجميع خصوصيتها، ويستمر التكبير، ليتحول الهدف منه من طمأنة القلوب وتفريج الكروب إلى هتاف مفزع للآخرين يسمعونه عقب مشاهد قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث عبر الفضائيات.

تصدير فكر «داعش» عبر مهاجرين إلى أوروبا وأميركا غذتهم مؤسسات موجهة بأفكار متعصبة، تنبذ التعايش السلمي واحترام المعتقدات، لم تنتبه إليه لا الدول العربية والإسلامية التي تواجه الإرهابيين، ولا الدول المستقبلة لهم، وهو ما عزز فكرة الغرب المشوهة عن الإسلام، فلا شيء يستطيع الوصول بالمرء إلى اليقين أكثر من الاحتكاك المباشر مع أشخاص يحملون نفس الفكر المتطرف، وإن كانوا يبدون التسامح، وقديماً دخل الناس في دين الله أفواجاً، بعدما علموا من أخلاق المسلمين ما يدعو إلى الحق والعدل والخير والسلام، وهو ما تفتقده سلوكيات كثير من المهاجرين إلى تلك البلدان.