نعرف في مصر كيف نواجه الأزمات بالفهلوة، نجيد صياغة السيناريوهات ونرجح نظرية المؤامرة، نملأ الشاشات بالأغاني الوطنية ونستضيف شخصيات تتحدث عن تورط دول وجهات في الإضرار بمصالحنا عوضا عن إفساح المجال لخبراء متخصصين يضعون حلولا ناجزة للخروج من المأزق بأقل الأضرار.

سقطت الطائرة الروسية في سيناء وخرجت التصريحات غير مرتبة ودون مستوى الكارثة، بدت غير مستندة إلى حقائق أو معلومات رغم نشاط الأجهزة الأمنية المصرية الملموس في سيناء وهي على مستوى عال من الكفاءة والحرفية، وفي المقابل انطلقت بيانات من لندن وواشنطن وموسكو ودول أجنبية تفسر ما حدث في عقر دارنا بناء على معلومات استخباراتية دقيقة، الفرق بين التصريحات هنا وهناك لم يكن في صالحنا ولا يصب في خانة احتواء الأزمة.

أعقب ذلك القراران البريطاني والروسي بإجلاء رعاياهما من مصر بشكل يضر بقطاع السياحة ويكبدنا خسائر كبيرة غير محتملة في الوقت الراهن، وفي المواجهة خرجت التصريحات الرسمية والإعلامية ومانشيتات الجرائد في القاهرة للتشكيك في الاستنتاج القائل بأن الطائرة أسقطت بقنبلة زرعت داخلها، وسرعان ما رجحت لجنة التحقيق والتقصي حول الحادث هذا الاتجاه عقب تفريغ الصندوقين الأسودين، ليتكشف للجميع تخبطنا.

كان علينا أن نتحلى بشجاعة الاعتراف بالتقصير، والمبادرة قبل غيرنا بإعلان حقيقة ما حدث تفصيلياً، فنحن في حرب ضد الإرهاب وكل شيء متوقع ولا يعيب مصر إسقاط طائرة في زمن استطاعت فيه جماعات العنف الوصول إلى قلب أمريكا القوة المهيمنة على العالم صاحبة جهاز الاستخبارات الأول والأقمار الاصطناعية التي تراقب الكوكب بأكمله.

كان المطلوب منا في مصر مواجهة الكارثة بثبات وأن نعلن للعالم أننا مستهدفون من قوى ظلامية ولدينا قدرة على اتخاذ تدابير تحول دون تكرار ما حدث، لكننا تعاملنا بمنطق مختلف وضعنا في مأزق يحتاج جهوداً للخروج منه.

كلنا ندرك أن الإرهاب مرض سرطاني يزهق الأرواح ويخلف الخراب والدمار لكن ما لا يدركه كثيرون أن الإدارة الخاطئة للأزمات لها نفس العواقب المأساوية .. حفظ الله مصر.