أخيراً، وبعد طول انتظار، وقعت مصر مع روسيا يوم الخميس 19 نوفمبر اتفاقاً لإنشاء أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء، وسبب الانتظار لم يكن من الجانب الروسي الذي قدم عرضاً لا يقبل المنافسة، حيث اقترن توقيع الاتفاق بتوقيع اتفاق آخر بين الطرفين تحصل بموجبه مصر على قرض روسي طويل الأجل لتمويل إنشاء المحطة النووية، مما يعني عدم إرهاق مصر وميزانيتها «المرهقة أصلاً» بأعباء تكلفة بناء المحطة، كما أن العرض الروسي يشمل أشياء لا يوفرها أي عرض آخر، ومن أهمها الصيانة الدائمة وتوفير الوقود النووي وأعلى ضمانات الأمن.
ربما لم يلحظ الكثيرون في كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي حول الاتفاق أنه بدأها بالتركيز الشديد على سلمية البرنامج النووي المصري، ولا أعتقد أن الرئيس السيسي بحاجة لهذا التأكيد لأنه لا يوجد أدنى شك في أن محطة الضبعة النووية، المتواضعة بالنسبة للمحطات الأخرى، سلمية تماماً بهدف توفير الكهرباء، وأن مصر ليس لديها أي نوايا من بعيد أو قريب في نووي غير سلمي، فما الداعي لهذا الحديث والتركيز عليه من الرئيس السيسي.
ربما يفسر لنا هذا أسباب المماطلة والتأخر في توقيع الاتفاق مع روسيا، حيث يبدو (في رأينا) أن هناك ضغوطاً أجنبية على مصر لمنعها من توقيع اتفاق نووي مع روسيا، وهذه الضغوط كانت موجودة من قبل في عهد النظام السابق، حيث كانت موسكو تشكو من رفض مصر لعروضها التي لا تُنافس، سواء في أسعارها أو ضماناتها الفنية والأمنية.
الاتفاق النووي يختلف عن أية تعاملات أخرى، سواء صفقات سلاح أو تبادل تجاري أو حتى تعاون صناعي، فالبرنامج النووي يعني استمرارية العلاقات بين البلدين لفترة زمنية طويلة، وذلك لارتباط البرنامج من حيث الصيانة والإدارة الأمنية وتوفير الوقود بالدولة الأجنبية، وهو الأمر الذي لا تريده جهات أجنبية للعلاقات المصرية – الروسية أن تصل إليه.
الاتفاق جاء في عز أزمة سقوط الطائرة الروسية، والتي أثارت زوبعة مؤقتة على العلاقات بين البلدين، ليأتي الاتفاق لينعش هذه العلاقات ويؤكد أيضاً «استقلالية القرار المصري».