مثلما كانت وما زالت الذاكرة الفلسطينية عصية على الاختراق، فإن النفس «بفتح النون والفاء» الفلسطيني هو الآخر طويل جدا، وفشلت حتى اليوم كل محاولات قوة الاحتلال للنيل منه ومن صموده الذي اكتسبه بالخبرة مما مكنه من البقاء والعودة دوما إلى المقاومة بأساليب أثارت استغراب القريب والبعيد بما فيهم اليهودي المحتل.
في كل مرة تلجأ إسرائيل باعتبارها قوة احتلال إلى اختبار النفس الفلسطيني ومدى قدرته أو عودته إلى المقاومة. تنهج في ذلك سبلاً شتى تتراوح بين تشديد الخناق على الحياة اليومية للفلسطيني. وهذا يشمل اضافة إلى الحواجز القديمة هدم البيوت والإغلاقات والمداهمات المستمرة بناء على التنسيق الأمني البغيض لكنها تكتشف ان النفس الفلسطيني أطول مما توقعته وآخرها ما يجري في مختلف أحياء ومدن فلسطين.
إسرائيل بهذه الممارسات تختبر صلابة الفلسطيني في أكثر من موقف سواء فيما يتعلق بالأقصى ومدى استعداد الفلسطينيين للدفاع عنه أو فيما يتعلق بالأراضي التي تصادرها أحيانا إما بالقوة المفرطة أو بقانونها وخاصة تلك الأراضي الواقعة في محيط القدس حيث تسعى إلى مزيد من الاعتراف الدولي لتحويلها إلى عاصمة لها وفق سياسة الأمر الواقع.
ما يساعد إسرائيل في مسعاها هذا هو انشغال الذاكرة العربية في الأحداث السياسية العاصفة في عدد من الدول المحيطة بفلسطين، وخاصة حجم الألم والدمار الذي تعاني منه سوريا اليوم حيث تتوسع دائرة الاهتمام العربي لتشمل مساحات جغرافية أوسع، ومن هنا يقل التركيز على قضية العرب الأولى، وهي فلسطين ليشمل أبعادا اخرى لا تقتصر فقط على الأحداث السياسية بل تتعداه إلى الجانب الاقتصادي، حيث تعاني كثير من شعوب المنطقة من فقر وبطالة بين الشباب تضعف النظرة والرؤية تجاه الشعب الفلسطيني وتحصر الاهتمام في الدائرة المحلية الضيقة.
ما يحتاجه الفلسطيني اليوم منا هو الشعور النفسي معه واستحضار ذلك المثل العربي القائل «العين بصيرة واليد قصيرة» بحيث نبقي العين مفتوحة على الأقل لما يجري هناك لأن فلسطين تبقى قضية العرب الأولى والمركزية مهما اشتدت مصائب المنطقة وكثرت جراحها.