تتبلور في الأفق معالم نظام عالمي جديد قائم على قواعد وأسس جديدة تختلف كثيرا عن القواعد التي قامت عليها الأنظمة العالمية التي سادت في القرون الماضية، والتي سيطرت عليها ثنائية القوة، وبعد أكثر من عقدين من الفشل الذريع لمنظومة "الأحادية القطبية الأميركية" يبدو في الأفق نظام تعددي جديد قائم على توافق المصالح والأساليب والأهداف، وبعيداً عن التحالفات الخاصة المغلقة، وأبرز معالم النظام الجديد، ثلاثية "روسيا والصين والهند".

والتي يسمونها "ترويكا الشرق العظمى"، هذه الترويكا التي تنبأ بها في عام 1998 السياسي الروسي المخضرم "يفغيني بريماكوف" الذي رحل عن الدنيا في يونيو الماضي، وقد سخر الكثيرون آنذاك من نبوءته واعتبروها مستحيلة، نظرا للخلافات الحادة بين الصين والهند وأيضا بين موسكو وبكين حول مسائل حدودية، كما أن النبوءة جاءت في وقت كانت روسيا فيه شبه منهارة.

بريماكوف تنبأ بهذه الترويكا كتحالف استراتيجي بين ثلاث دول كبيرة تجمعها مصالح وأهداف ومبادئ متقاربة، وقال آنذاك إن هذه الترويكا الشرقية سيُعول عليها الكثير لإنقاذ العالم من فساد وجبروت الإمبريالية العالمية المتوحشة.

الرئيس فلاديمير بوتين، تلميذ بريماكوف النجيب، أخذ على عاتقه منذ دخوله الكرملين عام 2000 مسؤولية تحقيق هذه النبوءة، ونجح إلى حد كبير في التقريب بين الدول الثلاث بعد ما بذل جهودا غير عادية في إذابة جليد الخلافات بين نيودلهي وبكين، والآن تصعد هذه الترويكا وتتصدر مجموعات إقليمية ودولية، مثل مجموعة "بريكس" ومنظمة "شنغهاي للتعاون".

وتتقارب الدول الثلاث، وتزداد ثقتهم في بعضهم أكثر فأكثر، ويتطلع العالم إلى هذه الترويكا الاقتصادية والعسكرية والنووية العملاقة التي تضم وحدها ما يقرب من ثلث سكان الأرض، ويضع عليها الكثيرون آمالاً كبيرة في تغيير موازين القوى العالمية لما فيه خير البشرية جمعاء، خاصة وأن الدول الثلاث أبعد ما تكون عن الأطماع والطموحات الاستعمارية، وتتمتع بسمعة عالمية طيبة في احترام القانون الدولي وسيادة الدول الأخرى على أراضيها، كما يصعب على أصحاب الأطماع الاستعمارية الإمبريالية اختراق هذه الترويكا الشرقية العظمى.