في مستهل عام القراءة، تدور أسئلة عديدة حول شرائح القراء المختلفين، وأكثرها جدارة بالاهتمام، وطبيعة المبادرات التي ينبغي تنفيذها لتحقيق أكبر استفادة ممكنة لهذه الشرائح من الفعاليات التي سيشهدها العام.
في اعتقادي أن كل شرائح القراء جديرة بالاهتمام، لكن اهتماماً حقيقياً ومكثفاً يتعين أبداؤه بالشريحة الأكثر تبكيراً في القراءة، والأصغر في السن، والتي يمكن اعتبارها قراء المستقبل بامتياز، وهي شريحة ما قبل التعليم الرسمي، التي تدور أعمار أبنائها حول العام الرابع من العمر.
في تجربتي التحديث اليابانيتين، اللتين أمضيت عمري في الاهتمام بهما ومتابعة تطوراتهما، نلاحظ رعاية فائقة لأبناء هذه الشريحة العمرية، ولكن خلافاً لما نعتقد فإن أبناء هذه الشريحة لا يتعرضون للضغوط لمراكمة التحصيل العلمي والمعرفي.
وإنما ينصب التركيز في المقام الأول على أن تكون القراءة بالنسبة لهم جسراً لتحقيق أمرين محددين، هما غرس قيم المجتمع في نفوسهم، وتطوير مهاراتهم، التي ستمكنهم في مرحلة لاحقة من الانطلاق في سباق التحصيل العلمي.
بهذا المعنى فإن القراءة في هذه المرحلة المبكرة من العمر هي متعة، هي شيء يتوق له الطفل ويحرص عليه، ويقدم له في إطار أقرب إلى التسلية واللعب وأبعد ما يكون عن الصرامة والجهامة، وهي أيضاً لا تدرج في إطار المنافسة المحتدمة مع الأطفال الآخرين، التي ستفرض نفسها على الصغار مع انطلاقهم لاحقاً إلى عالم التعليم الرسمي.
القيم المجتمعية النبيلة وغرسها سيظلان محور الاهتمام في كل قراءات الصغير في هذه المرحلة، ومن ثم فإنها ستقدم له بأسلوب سهل ومبسط وقابل للاستيعاب في أقصر وقت ممكن. أما تطوير المهارات فيبدأ بالأجهزة التي يستخدمها الصغير في القراءة والتي يستوعبها ويتفوق في استخدامها من خلال التنافس مع أقرانه، قبل أي شيء آخر.
وفي عالمنا العربي أطلت محاولات للنسج على هذا المنوال، رأينا فيها محاولات تبسيط قصص الأنبياء، وأيضاً الحيوانات والنباتات التي ورد ذكرها في القرآن، وملامح من السيرة النبوية الشريفة، وجهود تبسيط العلوم والرياضيات والروائع الأدبية العربية الأكثر شهرة وانتشاراً. ولكننا لانزال بحاجة إلى الكثير من الجهود في هذا المجال، على امتداد عالمنا العربي.