الذين يتابعون، بحب وتعاطف، تطورات الحياة الثقافية في الإمارات لا شك أنهم توقفوا طويلاً عند ظاهرة تلفت النظر حقاً، وهي قيام عدد من أبناء الإمارات وبناتها بإنشاء دور لنشر الكتب العربية وتوزيعها، تركز بصفة خاصة على إصدار الأعمال الإبداعية التي ينجزها أبناء الإمارات.
هذه الظاهرة لم يكن لها وجود منذ سنوات قليلة مضت، وهو ما يعني أنها عملياً أطلت منذ فترة قصيرة، وهي في اعتقادي ظاهرة تعكس شجاعة حقيقية، وتستحق التشجيع الذي ينبغي أن يأخذ صورة عملية وملموسة.
الشجاعة هنا تعود إلى أن إطلاق دار للنشر في الإمارات جهد ليس بالهين، ويعكس مغامرة حقيقية، وإذا قيل إن أي مشروع يعكس مغامرة بالضرورة، فإن الرد السريع هو أن دار نشر الكتب العربية ليست مغامرة عادية، وإنما هي مغامرة بامتياز.
بعض التقديرات تشير إلى أن قيمة سوق الكتاب في الإمارات تصل إلى مليار درهم، معظمه يصب في إعادة التصدير، ومن المعتقد أن ٪60 من هذه القيمة مصدره الكتاب الأجنبي بمختلف اللغات، بينما الكتاب العربي يشكل ٪40 فقط من قيمة السوق.
المغامرة لا تقتصر على هذا فقط، وإنما تمتد إلى أن الأعمال الإبداعية التي تركز عليها هذه الدور قد لا تستقطب بالضرورة القارئ التقليدي، الذي غالباً ما يبحث عن كتب تندرج في شرائح محددة، مثل الكتب التعليمية، كتب الطهي، كتب الأطفال، وغير ذلك من شرائح سوق الكتاب المعروفة.
في اعتقادي أن شجاعة هؤلاء الناشرين الشباب من أبناء الإمارات وبناتها ينبغي الرد عليها بتشجيع دور النشر التي أطلقوها، عن طريق قيام الهيئات والمؤسسات العامة باقتناء إصداراتها، ويبرز في هذا الصدد دور المكتبات العامة ومكتبات المدارس، على وجه التحديد.
من المحقق أن القراء أنفسهم ينبغي أن يهتموا بمد الجسور إلى هذه الدور والمكتبات الرائدة، ولكن المجتمع نفسه، ممثلاً في مؤسساته وهيئاته، هو الذي ينبغي أن يكون له الدور الأكبر في تشجيعها وضمان استمراريتها، لأنها في النهاية ظاهرة نبيلة تطل على أرضه، وتجسد تطلعاته وأحلامه.